نيلُ جائزة أدبية ما ، لا يعني أن من نالها هو الأفضلُ من سواه ، أو أنه أسبقُ منه إبداعيًّا ؛ ولكن يعني فقط أن ذائقةَ بعض أعضاء اللجنة لم تستسغْ نصَّك ، ولم تصل بعد إلى المرتبة التي تؤهلُها لاستقبال نتاجك الشِّعري أو الروائي ، أو أنَّ هناك انحيازًا إلى تيارٍ أو اتجاهٍ أو عقيدةٍ أو قوميةٍ أو دولة .
وهذا الأمر ينسحبُ على كل الجوائز في مصر ، أو في البلدان العربية ، أو في أكبر الجوائز العالمية ، فهناك ضغوطٌ تُمارَسُ على أعضاء لجان الجوائز ، وثمة تبادلٌ ظاهر للمصالح ، واتفاقاتٌ سرية من تحت الطاولات مع دور النشر التي يتقدَّم أصحابها – خُصوصًا في الرواية – لنيل الجائزة ؛ لأنَّ الرواية إذا ما فازت يعني بيع ملايين النسخ من العمل الفائز ، وأرباح طائلة للناشر من خلال أرقام التوزيع ، وحقوق بيع الترجمة إلى اللغات المختلفة .
وهناك أسماءٌ كثيرةٌ في العالم تستحقُّ نيل أكبر الجوائز ، لكن هناك أسباب كثيرة إجرائية ، وخارج الكتابة وراء عدم الفوز ، أبرزها التسويق للكاتب أو الشَّاعر ، وترجمات إنتاجه الإبداعي ، وتقديمه داخل بلده وخارجه بالشكل الذي يؤهلُه للمنافسة بقوَّةٍ ، وهناك أسماء كانت بيننا وغيَّبها الموتُ ، ورحلت ، وكانت تستحقُّ نيل جائزة نوبل في الآداب ، وهي جائزة سنوية تُمنح منذ سنة 1901ميلادية .
ولو استعرضنا قائمة الذين نالوا جائزة نوبل في الآداب ، سنجد من بينها أسماء لم تكُن تستحق الترشيح من البداية ، وليس الفوز بها ، فهناك أسماءٌ نُسيتْ وطواها الزمنُ ، ولا يصدِّق المرءُ أنها نالت جائزةَ نوبل ، فمن المفترض حسب ألفريد نوبل صاحب الجائزة أن يفوز بها من قدَّم ” خدمةً كبيرةً للإنسانية من خلال عملٍ أدبيٍّ ، وأظهر مثالية قوية ” ، ولكنَّنا لانجد هذا الشرط يتحقَّق في كل عام ، إذْ هناك سقطاتٌ وتجاوزاتٌ وتحرُّشات جنسيةٌ ، وتهاونٌ في حقِّ الجائزة ، وحقِّ المرشَّحين الكبار عالميًّا ، ويغطِّي أدبهم مساحة كبيرة من كوكب الأرض .
فماذا يفسِّرُ المرءُ فوز ونستون تشرشل (30 من نوفمبر 1874 – 24 من يناير 1965 ميلادية ) ” لخطاباته السياسية ” ، وهو ليس شاعرًا ولا روائيًّا ، إنه رئيس وزراء بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية، ويمارس رسم المناظر الطبيعية في أوقات الفراغ ، نال الجائزةَ عام ١٩٥٣ميلادي ، والخطاب السياسي ليس ضمن الأجناس الأدبية ، لكنَّها السياسة التي تفرض سطوتها على الجائزة ، فهو رئيس الوزراء الوحيد الذي حصل على جائزة نوبل في الآداب .
أيضًا المغنِّي والملحن الأمريكي بوب ديلان ، نال جائزةَ نوبل في الآداب بصفته شاعرًا ؛ مما أغضب العالم بسبب هذا المنح غير المستحق ، في حين أن هناك شعراء كبارًا لم ينالوها .وهو أيضًا أولُ موسيقيٍّ يفوز بها ، والموسيقى ليستْ جنسًا من أجناس الآداب . ولكن الأكاديمية السويدية التي تمنح الجائزة كان لها رأي آخر إذْ رأت أنه يستحق الجائزة ” لأنه خلق تعبيراتٍ شعريةً جديدةً ضمن التقليد العظيم للأغنية الأمريكية. ”
في حين أنَّ ديلان الفائز رأى الأمر مستحيلا ، حيث أشار إلى أنَّ ” احتمال حصوله على الجائزة كان بالنسبة إليه مثل احتمال صعوده إلى القمر” .
وفي خطابه داخل الأكاديمية السويدية باستكهولم ” سرق عشرين جملةً من كتابٍ مدرسيٍّ ” ، أي أنه لم يستطع كتابةَ خطابٍ مُتماسكٍ ، من المفترض أن يكتبهُ شاعر !.
وحتى بعض كلمات أغنياته التي كتبها ، وتُنسب إليه ” استعارها ” من مصادر مختلفة .
هذا الفساد المستشري والصارخ ، يتكرَّر – للأسف – في كل الجوائز ، وما نوبل إلا المثال الأبرز ؛ لأنَّها الأشهر والأهم عالميًّا ؛ ولذا فهي تحت بصر العالم .
قابلتُ شعراءَ كثيرين في الولايات المتحدة ، وكندا ، وأمريكا اللاتينية ، والبلدان الأوروبية خلال حياتي ، ووجدتُ كثيرينَ منهم يستحقون نيلَ جائزة نوبل في الآداب ، لكنَّ أغلبهم سيموتُ دون أن يحصلَ على شئٍ ، لكنَّ الأكيد أنه سيترك نتاجًا يستحق أن يُقرأ ، وأن يُدرَّس .
ومن المؤكد أنَّ محمود درويش كان يستحقُّ جائزة نوبل في الآداب ، ومن المؤكَّد – أيضًا – أن أدونيس أهم من شعراء كثيرين نالوها ، لكنَّ لا أحد يهتمُّ بما ينتجه العرب لضعفهم السياسي ، وتهافتهم ، وهوانهم الذي هُم فيه سادرون .