منوعات

حجاج أدول يكتب : سينما الحى الشعبي!!

ذات حفلة صباحية، نشاهد فيلمًا قويًا أكشنة عال العال، كالعادة عدد من النساء حولنا. “نساء الحي الشعبي، وكلهن يستخدمن الملايات اللف”.

وفي نهايات الفيلم على ما أتذكر، مجموعة من عمال الميناء الأقوياء كانوا يضربون الممثل الأسود (عرفت بعد سنين أنه سيدني بواتيه) ضربًا مبرحًا، وأحدهم ضربه بخطاف سنه المعدني يضوي.

فما كان من النساء إلا أن صوتت إحداهن، وأخرى مصمصت شفتيها وقالت حرام عليكم يا ولاد.. (كلمة بذيئة جدا)، وأخرى قالت: هو يعني عشان أسود تعملوا فيه كده؟! ربما سأل سائل: هل تتذكر كل هذا وبهذه الدقة؟ أقول له: أنا أتذكر الحالة فعلًا وأتذكر بعض الكلمات، ومن المؤكد أن الحالة تعتّقت كالخمر وصارت ذات منحى أدبي إبداعي، فهل ينكر أحدكم أني أديب حاذق؟ من ينكر أدعي عليه: إلهي يبتليك بالعجوز الأعور العصبي الشرس.

وقتها السينمات كانت تعرض أفلام مسلسلة كمسلسلات التليفزيون.. يعني فيلم ينتهي عرضه يوم الأحد ليلًا، ليتم عرض جزئه الثاني في صباح الإثنين، ثم الإثنين الثالث يعرض الجزء الثالث، مثل أفلام (فلاش جوردون، وقاهر الجواسيس) على ما أذكر. وفي إحداهما أتذكر مشهدًا خلب لُبي: بطل الفيلم في طريق أنبوبي أسمنتي يجري بسرعة؛ لقد فتح عليه الأشرار فيضان من المياه..

البطل يهرب مسرعًا والمياه شلالات رهيبة تطارده، وفي كل منحنى تضرب في الحائط وتنحرف لتتابع مطاردة البطل الهارب منها، والبطل يسرع وينظر خلفه في غضب على رأي مسرحية (جون أوسبورن). اقتربت المياه الهادرة من البطل.. اقتربت اقتربت ونحن في رعب خشية عليه. كيف سينجو كيف كيف كيف؟! كيف انتهى هذا المشهد الرهيب؟ لا أعلم.. فقد انتهى الفيلم في هذه النهاية الشيقة، وتأجلت معرفة كيف سينقذ البطل نفسه للفيلم القادم الذي سيعرض صباح اليوم الإثنين ولمدة أسبوع، وخلال هذا الأسبوع لم أتمكن من توفير الملاليم العشرة لأشاهد كيفية النجاة.

نجلس في الدكك ملتصقين، لكن المزيد من الأطفال أتوا.. لا مكان في الدِكَكْ، الأطفال يصرخون في الآتين مفيش مكان مفيش مكان، يدفعون بعضهم بعضًا، العجوز الأعور يغلق باب الدخول مؤقتًا ويأتينا بالخرزانة، ويضرب في الجالسين أي ضرب وهو يزعق فيهم:

-وسع يا وله منك له، وسع يا ابن الـ.. وانت يا ابن الـ..

ننحشر أكثر حتى يظهر مكان للآتين الجدد، ثم يأتي آخرون، يأتي الأعور ويضرب في الصف التالي وهكذا. من خلفنا في المقاعد المحترمة نسمع الضحكات على صيحات كل طفل يتلقى ضربة الخيرزانة على رأسه فآلمته، ونحن الأطفال نضحك على من تلقوا الضربات ونحن فلتنا منها. هذا الرجل العجوز الأعور العصبي كان مبعث رعب وفرفشة معًا؛ يعني كنا نأخذه على محمل الكوميديا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى