منوعات

د. أحمد سمير يكتب : الكون.. والنسبية العامة!

في مساء صيفي وفي برنامج على قناة فضائية تفتق ذهن معد البرنامج بالاتفاق مع المذيع ورئيس التحرير عن فكرة استضافة عالما في الفيزياء كي يدلي بدلو العلم في هذه المسألة.

بعد أن تحدث العالم لعشر دقائق كاملة محاولا توضيح كيف ترى النسبية العامة الكون، وكيف أن العالم أصبح رباعي الأبعاد وأنه لا ماض أو حاضر أو مستقبل مطلق، وأن الأمر بأكمله خاضع لإطار الإسناد والطريقة التي تتحرك بها في الكون، فغرت كل الأفواه.

أما العالم فواصل في حديثه ولم يهتم، ربما امتلك وعي المزين الحركة في بعد خامس أرقى من هذه الأبعاد الأربعة وقدر على رؤية المستقبل والماضي بكل دقة.

لكن عالما آخر هاتف البرنامج وطلب المداخلة وفند هذه الرؤية، مدعيا أن النسبية العامة بهذه الطريقة تفرض كونا حتميا، كل الماضي والحاضر والمستقبل فيه توهم محض، بحسب تلك النظرية وما قيل تبدو الأحداث بالنسبة لنا كمخلوقات تتحرك بطريقة ما في فضاء الكون وزمانه على هذه الصورة، ماض وحاضر ومستقبل.

لكن واقع الأمر غير ذلك، فالأزمنة جميعها موجودة معا وكذلك الأحداث. صمت صاحب المداخلة قليلا ثم هتف في غضب، ليس الحال على هذه الصورة بالطبع، لا حتمية تحكم الكون، بل تسوده حالة من اللايقين المدهش.

لا يمكننا يا سادة أن نحدد موضع وسرعة إلكترون متى لم نحاول قياسه، هو في كل مكان يمكن أن يوجد فيه حرفيا، لا يتحدد أي شيء إلا عندما نحاول قياسه والتداخل معه، هكذا هو حال الكون كما تراه نظرية الكم، ترى لايقينا مذهلا ومستقبلا غير محدد أبدا.

لكن المذيع المتأنق اعتبرها فرصته، لذا تنحنح حتى يتأكد من انضباط نبرة صوته ثم قال: “وكيف رأى المزين إذن ما سوف يكون بهذه الدقة وكيف رأى ما كان؟” امتعض العالم صاحب المداخلة من هذا اليقين كله الذي يتحدث به المذيع وكاد يسأل في استنكار عن الأدلة التي تؤيد صحة ادعاءات المزين أو صحة حكاياته، إذ أن لا دليل هناك بالفعل، والأمر لا يعدو كونه أسطورة من أساطير الأولين.

لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة، لو سُئِل عن سبب تراجعه، لن يحر جوابا. ربما شعر أنه لم يعد مفهوما أو أن إرث المزين أقوى من حجته وعلمه أو أن هذه الإجابة لا تصلح ببساطة أو أن عليه انتهاز الفرصة لعرض جانب آخر من جوانب نظرية الكم. لذا قال: “هل سمعت بالمبدأ الإنساني من قبل؟” لم ينتظر الإجابة وقال مباشرة في ثقة وهدوء: “يذهب هذا المبدأ إلى أن هذا الكون كان يجب أن ينتهي إلينا نحن البشر لذا جاء على هذه الصورة التي تناسبنا، منذ اللحظة الأولى للانفجار الكبير (بيج بانج) وقوانينه تعمل كي تجعل هذا الكون مناسبا لنا.

ربما هو شيء مماثل، ربما اخترنا من اللحظة الأولى الانتهاء إلى ما قصه المزين، مع كل حدث قد ينقسم الكون اثنين، عندما تختار الجورب الأبيض في الصباح، انقسم العالم إلى عالمين، هذا الذي اخترت فيه الجورب الأبيض، وعالم آخر موازٍ اختارت فيه نسخة منك الجورب الأسود. هذا ما نفعله، نمضي قدما في العالم الذي اختارته كلمات المزين، نفعل بوعي أو من دون وعي منا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى