منوعات

أحمد الشهاوى يكتب : الحب .. وحد الروح

(1 ) الحُبُّ هو الذهابُ إلى النقطةِ الأقصى من الماءِ
الحُبُّ هو الوصُولُ إلى نبعِ الذاكرةِ الأولى ، وخلْق ذاكرةٍ جديدةٍ لا تعرفُ النسيان.

الحُبُّ هو ألَّا تترُكَ نفسَكَ نهبًا للتأويل ، بل اذهبْ إلى من تُحِبُّ دُونَ مُحفِّزاتٍ أو مُثيراتٍ أو مُسبِّباتٍ
الحُبُّ هُو حدُّ الرُّوحِ حيثُ لا حدَّ بعدهُ في الأفْقِ

الحُبُّ هو المِفتاحُ الذي يفتحُ بابًا واحدًا فقط
الحُبُّ هو ما يُؤنِسُ الغريبَ والوحيدَ واليتيمَ دُون قصدٍ أو تعمُّدٍ أو مُعايرةٍ

الحُبُّ هو الذي يفرُطُ رُمانَ جُمُودِ أحجارِ الأشياء
الحُبُّ هو العالمُ الآخرُ الذي لا عالمَ بعدهُ .

2
رأسُ الحُبِّ القُبل ، وذُروةُ سِنامهِ الشَّوقُ ، وعمودُهُ الفِقَريُّ أن تحِلَّ فيمن تعشقُ ، وما دُونَ ذلك يأخذُ أسماء أخرى ليس الحُبُّ من بينها .

3
من يعشق مُبارَكٌ ، ومُقدَّسةٌ رُوحُهُ ، وأرضُهُ واسعةٌ ، يدُ قلبِهِ بيضاءُ من غير سُوءٍ ، حيثُ الحُبُّ كتابُهُ وسُنَّتُهُ ، أما الذين يلبسون الحُبَّ رداءً لهم ، فهم نخالةُ الأرضِ وكُناسة دكاكين الهوى ، إذْ لا يُمكنُ للكناسةِ أن تصيرَ واحدًا صحيحًا حتى لو سُبكتْ في مصْهرٍ للذهبِ .

4
القلبُ الذي لا يتعوَّدُ التفكُّرَ فيمن يُحبُّ ، والذي يقايضُ العشْقِ بشيءٍ ، أظنُّ أنَّ له اسمًا آخرَ ، ولكيْ يعُودَ القلبُ إلى سيرتهِ ، لا بُدَّ من أن تصفُو سريرتُهُ، ليصيرَ سُلطـانًا لـه الطـاعةُ ، ويصبحَ صـاحبُهُ الأرقَّ فُؤادًا ، وينشغـلَ بالمُكـوِّنِ لا بالكوْنِ ، فإنَّ أجَلَّ العشْقِ ما لم يكُن لغرَضٍ أو لعرضٍ .

5
أنرْ بيتَكَ بمصابيحِ العشْقِ ؛ لأنها الثمارُ التي تدنُو وتتدلَّى ، وتأكلها كلَّما جاع القلبُ ، والقلب معدتُه واسعةٌ ، ولا تنس أن «التواصِي» بالعشق ، هي الجُملةُ المِفتاحُ في الكِتابِ ، والأرسخُ في اللُّغةِ .

6
لا تمْش إلى امرأةٍ ليستْ أهلًا لكَ ، و « لا تُبعثر هِمَّتَكَ هباءً »، كي لا تُذِلَّ نفسَكَ ، وتتعرَّضَ إلى بلاءٍ لا تُطيقُه ، ولكَ في ذلك حفظٌ للوقتِ والنفسِ .

7

لا يصِحُّ الجسدُ إلَّا بالمُتعِ ، ولا تعلُو الرُّوحُ وتتقدَّسُ إلَّا بتدليلِها ممَّن تُحبُّ، ولا يمشِي القلبُ في مسارِه مُستقيمَ العُودِ ، مصلُوبَ الطُولِ ، إلَّا إذا رأى وشافَ وشاقَ وشَفَّ .
أَحِبّ – إذن – دُون خوفٍ ، ودُون انتظارِ نتائجَ من أيِّ نوْعٍ .

8
إنْ أردتَ أن تكونَ ثريًّا ، وتصيرَ إنسانًا كاملًا ،
عليكَ بالعشقِ ، وإن تاقت نفسُك يومًا إلى الاكتنازِ ، فلن تجدَ سوى قلبك حصَّالةً لتكنزَ فيها ما ترغبُ ، ولن يتأتَّى لك كُلُّ ذلك إلَّا إذا كان براقُك امرأةً بريَّةً تبعتها حيثما ما كانتْ .

9
وحدها السَّماءُ تحفظُ للعاشق رسالتَه ، لتجعلَها – ولو بعد حينٍ طال أو قصُر– في قلب امرأةٍ بريةٍ مُصطفاةٍ ، تكونُ بدءًا وختامًا ، وشمسًا تهدي وتهِبُ وتهُبُّ، إذْ العشقُ هبَةٌ لا يمكنُ نوالُه كسبًا .

10
كُلُّ إنسانٍ يعيشُ بلا حُبٍّ ، يعني أنَّ الشرَّ مُحيطٌ بهِ ،
وأنَّ الحقيقةَ غائبةٌ عنهُ وأنَّ موتَهُ كامنٌ في ولادتهِ ،
وأنَّهُ في الخلفِ لا في الأمامِ .

11
يأتي سوءُ التَّفاهُمِ في العشقِ من أنَّ الرجلَ ( العاشق مجازًا ) يتصوَّرُ أنَّ جسدَ من يعشقُ وليمةٌ جاهزةٌ ، ينبغي الإجهازُ عليها في جلسةٍ ، ثم بعد ذلك يخاطبُ نفسه : لقد أكلتُ الفريسةَ ، فلأبحثنَ عن ثانيةٍ بعد ثانيةٍ من الافتراسِ .
وهذا عندي ليس عشقًا ، وليس لونًا منهُ ، رغم أنهُ لا ألوانَ في العِشقِ ، إذْ العشقُ هو هو ، ولا شيءَ سواه ، مهما تعدَّدتِ النعوتُ والصفاتُ والمرادفاتُ والدرجاتُ والمراتبُ .

12
الحُبُّ يسرقُ العاشقَ ،
والعاشق الذي يُحاولُ أن يخطفَ أو يسرقَ الحُبَّ بليلٍ لا يُعدُّ عاشقًا ، ويصحُّ أن نُسمِّيَه تاجرًا بالحُبِّ وليس تاجرًا فيه ؛ تمامًا كمن يتاجرُ بالدين أو فيه ، لأنَّ الحُبَّ – كما تعرفُ – مُنزَّلٌ في القلُوبِ والأرواحِ باعتبارِهِ وحْيًا ورسالةً .

13
كُلُّ شيءٍ قد يقبلُ الشراكةَ إلَّا الحبُّ ، لأنه يلدُ نفسَه بنفسِه ، ولا يحتاجُ إلى عوامل مُساعدة ، والعاشقُ عندي هو المُوحِّد لا المُتعدِّد، لأن العشقَ كائنٌ فردٌ أحدٌ ، كإلهٍ ليس له شريكٌ أو شبيهٌ، ولذا هو عند كثيرين ديانةٌ لها عابدون مُصلُّون، لاُ يشْرِكُونَ معها شيئًا سِواها .

14
المُتاجرُ بالحبِّ لا يُبصرُ ، لأنَّ مَهمَّتهُ الربحُ ، وأيضًا لا تهمُّهُ جَوْدَةُ « البِضاعة» مادام يسعى إلى المكسبِ ، وليته كان يعلمُ منذُ البدءِ أن تجارته خاسرةٌ ، لأنَّ المُتاجرةَ في القلُوبِ والأرواحِ لا يُقدِمُ عليها إلَّا الفاسدُونَ ، وذوو الأربعِ ، حيثُ لا تعقِلُ الدَّوابُ ولا الأنعامُ .

15
اشتياقُ حوَّاء لآدمها ليس وجعًا ، وليس عقُوبةً .
وولادتها ممَّن تُحبُّ ليست ألمًا ، وحَجُّ معشُوقِها إلى كعبتها ليس إنعامًا في تَكرارِ أكلها لزقُّوم جدَّتها .
وعدمُ ذكِر اسمِها مرَّةً واحدةً في القرآن ليس عُقُوبةً إلهيةً ، لكنَّ الجُهَّالَ من الرجالِ ، اتخذوا من ذلك ذريعةً ( هذا إذا كانوا يفقهُون)، كيْ لا يُنادوا النساءَ بأسمائهن .

16
عدمُ التشريكِ في العشقِ ، قَدَاسةٌ وإيمانٌ بالواحديةِ ، والنظر إلى من تُحبُّ باعتبارها إلهةً مُستويةً ومُستوليةً على عرشكَ .

17
من كان في حالِ عشقٍ ، وأراد أن يغلقَ البابَ ، ويخرج نافضًا يدي قلبه من ذلك العشق لسبب دنيويٍّ ما، أو حتَّى دينيٍّ ، هو عندي أحمقُ ، وسفيهٌ ، وكافرٌ بنعمة من يعشقُ ، لأنَّ العشقَ الحقَّ نادرٌ كالنجم الذي يظهر متوسطًا السَّمَاءَ مَرْةً في كُلِّ ألفِ سنةٍ .

18
ليس في العشقِ جهةُ ظنٍّ ، ولا تقريبٌ ، ولا شبهُ دليلٍ ، وإنما يوجدُ يقينٌ فقط، ودليلٌ ، وليس ينبغي لأحدٍ أنْ يفضُلَ إنسانًا على آخر إلَّا بالعشْقِ الصَّريحِ، ولا يُقاسُ عُمرُ الإنسان إلَّا بسنواتِ عشْقهِ، وما عَدَا ذلك أوقاتٌ مهدُورةٌ ، إذْ لا تصلُحُ الإناث إلَّا بالذكور ، ولا يصلُحُ الذكُورُ إلَّا بالإناثِ ، و «لأنَّ عملَ كلِّ جوهرٍ لا يُعدْمُ إلَّا بعدمِ ذاتهِ» .

19
في الذُروةِ ،
لا تُحدِّثْنِي عن القواعدِ ، والأصُولِ ، والتقاليدِ ، والأعرافِ ، والمشْي على الصِّراطِ ،
لأنَّ الفاعلَ والمفعُولَ فيها يكونان رُوحيْن حلاَّ في جسدٍ واحدٍ .
إنه طقسٌ خلاقٌ ، نادرٌ بين البشرِ ، لا يعرفُهُ إلَّا البرِّيون والبرِّيات، حيثُ يقولُ العاشقُ للمعشُوقِ يا أنا ، سأذبحُك .
إنه من تعاركٌ دون قتلٍ ، ووصولٌ من دون نهايةٍ ، وبحرٌ بلا ساحلٍ ، حيثُ تكونُ الذاتُ داخلَ وخارجَ أناتِها ، لكنَّها في وضْعٍ مقدَّسٍ لا يَتكرَّرُ ولا يُسْتعادُ ، إذْ في كُلِّ ذُروةٍ هو جديدٌ لايتكَرَّر .

20
لِكلِّ أمرٍ حَدُّ ، إلَّا العشقُ لا حدَّ لهُ .

من كتابي : أنا من أهوى 600 طريق إلى العشق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى