منوعات

محمد عبدالجيد يكتب : يوم المعلم

يذكرنا جوجل بيوم المعلم، فلهم منا كل تحية وتقدير، والحقيقة أني كنت محظوظا بكوكبة مميزة من المعلمين في كل مراحل التعليم.

ولا يتسع المقام لذكرهم جميعا، لكني سأتحدث قليلا عن أعظمهم أثرا في نفسي، وأحبهم إلى قلبي، وهو المعلم الأستاذ عماد عطية مدرس اللغة الفرنسية أو مسيو عماد رغم أني لم أناده أبدا إلا بأستاذ عماد.

وبدأت معرفتي به في الصف الأول الثانوي وهو أول عام ندرس فيه اللغة الفرنسية.
بدأنا الدراسة مع مدرس قبله لم نكن نطيق رؤيته، وبعد أسبوع أو أسبوعين، جاءنا أستاذ عماد، وكان شابا متين البنيان يلبس الجينس والكوتشي في غالب الأحيان، بشوشا منطلقا، لا يحمل عقدا نفسية تجاه الآخرين.

عزمت على أن آخذ درس خصوصي مع بعض الزملاء، لعدم وجود معرفة سابقة بالمادة، وخوفا من بطشه لو صرنا ضعاف المستوى، ومر النصف الأول من العام وقد أحببت اللغة الفرنسية، وظهرت نتيجة امتحانات الترم الأول، وكانت إحدى الزميلات درجتها ١٤ من ١٥ في المادة، والكل احتفى بها كونها الأولى على الدفعة.

لكن كانت دهشة الجميع كبيرة عندما علموا أن درجتي في اللغة الفرنسية ١٥/١٥ وقتها أستاذ عماد نفسه اندهش وقال” أنت مش الأول على المدرسة وبس أنت الأول على الجمهورية كمان” وأصر يعطيني مكافأة، وقال إما تأخد مكافأة مني أو شهر مجاني في الدرس الخصوصي.

طبعا اخترت الشهر المجاني، ومن وقتها صارت العلاقة وطيدة بيني وبينه، كان يسكن على الطريق الرئيسي المؤدي للمدرسة التي كانت تبعد عنا تقريبا ٤٥ دقيقة سيرا على الأقدام أو نستخدم لها دراجة، وكان عندي دراجة لكني كنت أفضل المشي في الصباح الباكر، وكان هو يمتلك ” موتوسيكل” وكلما مر ووجدني يصر أن أركب معه، ولا يسعني وقتها إلا موافقته. ويوما ما كنت معه، ورأينا وكيل المدرسة يسير على قدميه على مسافة قريبة، فهممت بالنزول ليركب هو.

لكن أستاذ عماد توقف ومنعني من النزول واستغربت وأصررت لكنه منعني مرة ثانية وهو يتابع الطريق حتى رأى مدرسا آخر قادم على موتوسيكل وطلب منه أن يأخذني معه، رغم أن المدرسة كانت على مرمى البصر.

وانتهى العام وأنا أول الدفعة، وجاء العام الثاني وبقيت أول الدفعة أيضا في اللغة الفرنسية، وصارت المكافأة التى كانت شهرا، صارت أشهرا عديدة مجانية يصر فيها إصرارا ألا يأخذ أجرا، وصرت أنا بحبه وإخلاصه عاشقا للفرنسية وقتها، حتى أني يوما ما تغيبت وتفرغت لحفظ كتاب ” مواقف” يحوي ٣٨٠ موقف في يوم واحد، وبعد أن انتهيت منتشيا بلذة الانتصار جاءتني المكافأة من المدرسة بخطاب فصل لمدة خمسة أيام بتهمة تحريض الطلبة على الغياب، ذلك أنه في اليوم السابق، سألني زميل وأنا في الفصل عما سأفعله غدا، فقلت أني أنوي التغيب لمراجعة بعض المواد، ونشر الزميل الخبر في الفصل، وعقدوا جميعا النية على التغيب مثلي، ونسبت الإدارة التهمة لي، فقرأت في الخطاب ” فصل خمسة أيام عن المدرسة لتحريضه الطلبة على الغياب” “قلت الحمدلله كنت عايز يوم فصاروا خمسة، نراجع بقى بقية المواد” لكني استكملت القراءة ” وغدا تأتي للمدرسة مع ولي أمرك” فقلت “يا فرحة ما تمت”..

لكن بعد كل هذا المجد، تبخرت اللغة الفرنسية سريعا، وكم أسفت لذلك، وأتمنى إتقانها مرة أخرى، وبالصدفة هذه الأيام أتابع بعض الفيديوهات لتعلمها من جديد…

فكل تحايا التوقير والمحبة والإجلال للأستاذ/ عماد عطية، وقد كنت عاقا لمودته فلم أراه منذ أكثر من عشرين عاما، وإني أتوق لرؤيته، فله في قلبي مكان..وأي مكان…

معلومة غير مهمة وترددت في ذكرها، لكني سأذكرها:
المعلم الأستاذ عماد “مسيحي”، ولم نختلف جميعا على محبته، وكان هو بدوره محبا صادقا معنا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى