منوعات

د.عادل عامر يكتب: التعايش السلمي والتسامح في الدستور

لقد كرم الله الإنسان وميزه عن غيره من المخلوقات ، فانعم عليه بالكثير من النعم ومن افضلها انه جعله خليفته في الأرض لغرض إصلاحها.

والإنسان محور الحضارات وأساسها وبنيان وجود المجتمعات ، وهو أساس العيش السليم ومقوماته.

ولكن في عصرنا الحاضر ابتليت بعض مجتمعاتنا بأوبئة فتاكة أريدت لنا أو أنا هوينا  اليها بإرادتنا، ومنها مرض التعصب والغلو والأفكار المتطرفة ونكران الأخر، انعكس سلبا على امن واستقرار الأفراد ف المجتمع  ،  فهدمت الأواصر وشرذمت الأمم ومزقت الوحدة الوطنية ، وازدادت الكراهية وانتعش التطرف والتعصب الأعمى ، وعلا خطاب التفرد محل خطاب الوحدة والتسامح ، مما هدد كيان الدولة ووجودها ، وانهك اقتصادها حتى اصبح القانون عديم الجدوى والفائدة لا يخشاه إلا الفقراء والضعفاء ، وفي ظل الأوضاع غير المستقرة امنيا واجتماعيا وخصوصا في المجتمعات المركبة دينيا أو قوميا أو اثنيا تظهر تلك الخلافات ويعلو صوت التفرقة بين دين وأخر ومعتقد وأخر وشخص وأخر ….الخ

ومن هنا يظهر دور القانون في حماية التعايش السلمي كونه الركيزة الأساسية وحجر الزاوية المتين في اغلب الدول الديمقراطية في تعزيز التعايش السلمي بين أبناء المجتمع الواحد ، ابتداء من الدستور ( قمة الهرم القانوني ) ونزولا لادني التشريعات مرتبة متمثلة بالقوانين العادية وتعليماتها ، بالاستناد إلى تطبيق مبادئ العدالة واحترام سيادة الدستور ومبادئ المساواة بين الأفراد دون تمييز بينهم على أساس الجنس أو النوع أو الدين أو الفكر والمعتقد …الخ

تمر المجتمعات بحالات من عدم الاستقرار، مما يؤثر على حاضر مواطنيها  ومستقبلهم، وهذا الأمر يشكل إرهاقا لطبيعة الدولة الحديثة القائمة على أساس  الاستيعاب والاندماج والمشاركة، وشكلَ التسامح بالمقابل كخطاب وثقافة، سمة بارزة  للمجتمعات المتقدمة أو مجتمعات الرفاه والازدهار وذلك لشيوع هذا الخطاب دون غيره من الخطابات .

إن التأسيس لإشاعة خطاب التسامح يشكل وسيلة ومعالجة مهمة لحالة عدم  الاستقرار التي يمر المجتمع والدولة ، وهذا الأمر ليس من قبيل الترف الفكري أو العلمي ، بل أضحى حاجة ماسة ، نظرا لدورات العنف المتكررة ، التي انعكست بالسلب على أداء الدولة منذ التأسيس حتى وقتنا الحاضر .للآن التعايش الذي يبنى على قيم التسامح والحوار وأواصر التعاون والتشارك ، يمكنه الاستمرار دون غيره من أنواع التعايش القائم على أساس توازن القوى والسلاح بين المكونات والمجتمعية .

ويتطلب ابتداءً نبذ كل أشكال التمييز القائم على العرق ، الدين ، المذهب ،الجنس ، اللغة ، الجغرافية المناطقية ، لاسيما أن صورة الآخر لا يمكن اختزالها بنمط أو شكل محدد ، والتباينات موجودة في كل المجتمعات ، كما أن التباين الفكري والعقائدي  هي واحدة من المزايا التي أثرت الفكر الإنساني والعالمي بنتاجات علمية تجاوزت فيها الحدود الضيقة لنظرة التعصب .

لما كان بناء الدستور يستلزم أن يعبر هذا الدستور عن اهداف ومطالب شعب مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير سنة 2011 وأن يعبر عن الوفاق والتوافق العام بين شرائح المجتمع وألا تكون صناعته قاصرة علي فئة أو طائفة مهيمنة علي صناعته إذ أن ذلك يتعارض مع كون الدستور حلم شعب ووثيقة وطن ينص فيه علي احترام كافة شرائح المجتمع لا ينكر فيه قدر أو قيمة شريحة علي حساب أخري ولا فئة علي أخري حتي يكون عقدا اجتماعيا حقيقياً لشعب بأكمله يراعي نصيباً عادلاً ومتوازناً للمواطنين علي السواء في الحرية وفي خيرات هذا الوطن ويراعي المواثيق والعهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان   وحرياته الأساسية ويراعي أحدث دساتير العالم الحديث لا سيما الأمم المتمدينة .

ومن ثم فلا بد من ترسيخ المبادئ والقيم الآتية فى الدستور الجديد:

* جمهورية مصر العربية ، وفاء لاختيارها الذى لا رجعة فيه فى بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون ، وإقامة مؤسسات دولة حديثة ، ترتكز على المشاركة والتعددية والحكم الرشيد ، وإرساء دعائم مجتمع متضامن يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية ومقومات العيش الكريم فى نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة .

* جمهورية مصر العربية دولة مدنية ذات سيادة كاملة والدين الإسلامي هو دين الدولة الرسمى وتحترم كامل الديانات والمعتقدات الأخرى متمسكة بوحدتها الوطنية والتراثيه وذلك فى ظل تمسك الشعب المصرى بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء .

* كل المصريين سواء أمام القانون وهم سواسية فى الكرامة الإنسانية ويتساوى المواطنون لدى القانون فى الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة أو غير ذلك من أسباب التمييز وهم يتمتعون بكافة الحقوق المدنية والسياسية ويتحملون كافة الواجبات العامة دون فرق أو تمييز بينهم.

* أن مصطلح المصريين أو المواطنين حيثما يرد فى الدستور يعنى الذكر والأنثى.

* يعمل الدستور على إزالة جميع القيود التى تمنع المرأة من المشاركة فى بناء الأسرة والمجتمع ، وحقوق المرأة الدستورية والشرعية مصونة ويعاقب القانون على المساس بها .

* وإدراكاً لضرورة العمل فى إطار المنظمات الدولية ، فإن جمهورية مصر العربية العضو العامل النشيط فى هذه المنظمات تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها من مبادئ وحقوق وواجبات، وتؤكد تمسكها بحقوق الإنسان كما هى متعارف عليها عالمياً كما تؤكد عزمها على مواصلة العمل للمحافظة على السلام والأمن فى العالم.

وتأسيساً على هذه القيم والمبادئ الثابتة تؤكد جمهورية مصر العربية وتلتزم فى دستورها بما يلى :

تعميق أواصر الانتماء إلى الأمة العربية والإسلامية وتوطيد علاقات التعاون والتضامن مع البلدان الإفريقية ، ولاسيما مع دول حوض النيل والتقارب والشراكة مع بلدان الجوار الأورو-متوسطى ، ودول العالم أجمع .

احترام أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولى الإنساني والنهوض بهما والإسهام فى تطويرهما مع مراعاة الطابع الكونى لتلك الحقوق وعدم قابليتها للتجزئة .

حظر ومكافحة كل أشكال التمييز بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد الديني أو العقائدي أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعى أو المكانى أو اللغة أو الإعاقة أو أى وضع شخصي مهما كان أو غير ذلك من أشكال التمييز.

جعل الاتفاقيات الدولية كما صادقت عليها مصر وفى نطاق أحكام الدستور وقوانين جمهورية مصر العربية وهويتها الوطنية الراسخة تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية والعمل على ملاءمة هذه التشريعات مع ما تتطلبه تلك المصادقة.

يرسخ تسمية الدولة المصرية (جمهورية مصر العربية) أن هويتها قوامها سمات الحضارة المصرية بتراكماتها وميراثها المتنوع ، وتوجهها العربى باعتبار الشعب المصرى جزءاً من الأمة العربية ، ومن ثم يعمل باعتباره مصدر للسلطات ، وصاحب السيادة على تحقيق الوحدة العربية كما يعمل على تحقيق التكامل والاتحاد مع الشعوب الإفريقية والإسلامية باعتبار مصر جزءاً من الأمة الإسلامية والقارة الإفريقية ، وكذلك يلتزم بحوار الحضارات والتعايش السلمى بين مختلف الشعوب باعتبارنا جزءاً من الحضارة العالمية الكونية .

لا ينازع أحد فى أن تكون اللغة العربية هى اللغة الرسمية للدولة المصرية بل ولغتها الوطنية التى تجمع جميع مواطنيها وقد نص على ذلك فى غالبيه الدساتير العربية ونص عليه فى الدستور الفرنسي (م 2) والدستور الروسي (م26/2) والبرازيلي (م 13).

أما فيما يتعلق بالمقومات الاجتماعية والخلقية :

أ‌-   أن ينص الدستور الجديد على مكافحة كل صور التمييز ضد المرأة وأن يؤكد التزام الدولة بالاتفاقية الدولية للقضاء على أشكال التمييز ضد المرأة وأن تصدق مصر على برتوكول هذه الاتفاقية .

ب‌-  أن يؤكد الدستور بوضوح على حقوق الطفل فى الدستور لتعطى حماية دستورية لهذه الحقوق بما فى ذلك تجريم الاتجار بالبشر والأطفال على وجه الخصوص ومكافحة الانتهاكات الموجهة للأطفال فى مصر .

ت‌-  أن يتوسع الدستور فى الحماية التى يمنحها لمنظمات المجتمع المدنى التى يتعاظم دورها بصورة جعلتها تراقب أعمال السلطتين التشريعية والتنفيذية.

ث‌-  أن يعمل الدستور على ترسيخ قيم الانتماء الوطنى والتعايش والتسامح بين كل أطياف المجتمع والحق فى التنوع الثقافى ، وحماية الآثار والتراث الثقافى المصرى بوجه عام .

أما فيما يتعلق بالمقومات الاقتصادية :

أ‌-   أن ينص الدستور الجديد على حماية الثروات الطبيعية للدولة وحسن استغلالها وأن تتمتع المرافق العامة والاستراتيجية بحماية دستورية تحصنها ضد التخصيص ومنها : قناة السويس والجامعات ومراكز البحث العلمى وموارد المياه والشواطئ والمطارات والموانئ …الخ .

ب‌-  أن يقرر الدستور حداً أدنى وأقصى للأجور ، ومنح إعانة بطالة لغير المشتغلين من باب تقريب الفوارق بين الدخول وتحقيق العدالة الاجتماعية .

أما فيما يتعلق بالحقوق والحريات والواجبات العامة :

يراعى تجميع الحقوق والحريات وترتيبها حسب تصنيفها إلى حريات وحقوق أساسية ، والحقوق والحريات الفكرية والمعنوية والسياسية ويتبعها فى الترتيب الواجبات العامة .

ضمانات حماية الحقوق والحريات العامة والمقومات الأساسية للدولة والمجتمع:

1.أن يعمم النص الدستورى الذى يقضى باعتبار كل اعتداء على الحقوق والحريات جريمة لا تسقط بالتقادم بحيث تشمل جميع الحقوق والحريات وكذلك المقومات الأساسية للدولة من باب أولى .

2.أن يصدر قانون مستقل لمكافحة التمييز بين المواطنين وكفالة تكافؤ الفرص فى العمل وتولى الوظائف والتعليم. يتضمن تدابير وقائية وجزائية لتحقيق هذا الهدف الدستورى ، أو ينص على ذلك بوضوح فى قوانين العمل والوظيفة العامة والتعليم وغيرها من القوانين ذات الصلة بما يكفل القضاء على التوريث فى مؤسسات وأجهزة الدولة المختلفة .

3.ألا يتم تأويل أى نص من نصوص الدستور على أنه يخول جماعة أو فرد أى حق فى القيام بنشاط أو تأدية عمل يهدف إلى هدم الحقوق والحريات الواردة فيه أو فى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، وأن تعتبر الأحكام الواردة فى الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان المصدق عليها فى مرتبة أعلى من التشريع العادى .

4.أن تلتزم القوات المسلحة المصرية – عند الاقتضاء- بضمان تنفيذ واحترام ما تصدره المحكمة الدستورية العليا من احكام بشأن حماية النظام الديمقراطي المدنى للدولة المصرية وكفالة وحدتها الوطنية والجغرافية .

5.أن يكفل الدستور حق الاحزاب والهيئات ومنظمات المجتمع المدنى فى اللجوء للمحكمة الدستورية العليا لمواجهة أى انتهاك للمقومات الأساسية للدولة والحقوق والحريات .

6.أن يمكن المجلس القومى لحقوق الإنسان والمجلس القومى للمرأة من إقامة الدعاوى بعدم دستورية نص من نصوص التشريع إذا ارتأى أن هذا النص يخالف الحقوق والحريات المنصوص عليها فى هذا الدستور .

ومن ثم فإن المجلس القومي للمرأة يقدم رؤيته حول الملامح العامة لمشروع هذا الدستور فيما يخص الحقوق والحريات والمقومات الاساسية للمجتمع المصرى عامة وحقوق المرأة علي نحو خاص ويترجم هذه الرؤية في اقتراح بعض النصوص علي النحو الآتي :-

أولاً : تعظيم الاستفادة من الباب الثالث من دستور سنة 1971 (باب الحريات والحقوق والواجبات العامة ) فقد صيغ هذا الباب باسلوب راق لا يحتاج فقط الا للمسات الاضافة بالتعديل نحو مزيد من الحريات والحقوق إذ أن مشكلة مصر في هذا الباب في الفترة الماضية لم تكن في النصوص ولكن كانت في التطبيق علي أرض الواقع .

ثانياً : إضافة بعض النصوص في باب (الحقوق والحريات)

نقترح أن تكون علي النحو التالي :-

(1) تكفل الدولة للرجال والنساء الحق المتساوى في المجتمع في كافة الحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وتعزز حقوق المرأة من خلال التمييز الايجابى لضمان تمثيلها ووجودها كما تعمل الدولة علي محاربة العادات والتقاليد الضارة التي تقلل من كرامة المرأة وتمتهنها تحت أى ذريعه كما توفر الدولة الرعاية الصحية للأمومة والطفولة والحوامل وتحمي الدولة حقوق الطفل كما وردت في الاتفاقيات الدولية والاقليمية والتي صدقت عليها مصر كما تتخذ الدولة كافة التدابير التي تحفظ حق المرأة في العمل وكفالته وإعانتها على التزاماتها الأسرية كما تكفل الدوله حماية السلامة الجسدية والمعنوية للمرأة ومنع انتهاكها واعتبار الانتهاك جريمة تعذيب أو معاملة قاسية أو لاانسانية أو مهنية أو احاطة بالكرامة الادمية والتزام الدول بالعقاب على هذه الجريمة .

(2) ضرورة وجود نص فى الدستور المصرى ينص على أن مصطلح المصريين أو المواطنين حيثما يرد فى الدستور يعنى الذكر والانثى

(3) تلتزم الدولة بازالة جميع القيود التى تمنع المرأة من المشاركة الفاعلة فى بناء الأسرة والمجتمع أو القيود التى تحد من حقوق المرأة وضمان العقاب على اى مساس بهذه الحقوق.

(4) حظر ومكافحة كافة اشكال التمييز بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد الرئيسى العقائدى أو الثقافى أو المذهبى أو الرأى السياسى أو الوضع الاجتماعى أو المستوى الاقتصادى أو التوزيع الجغرافى أو اللغة أو الاعاقة أو غير ذلك كما تلتزم الدولة بانشاء الية وطنية لمراقبة التمييز وتجريمه وعقاب مرتكبه

(5) ضمان تحقيق تمثيل منصف للمرأة يتناسب مع قدرتها وقدرها ودورها فى المجتمع وذلك فى اى مجالس منتخبة .

(6) ضمان تمثيل المرأة فى حالة القوائم الانتخابية تمثيلا متقدما والتزام الاحزاب السياسية بالنسبة والمركز المتقدم فى ظل إحتواء الدستور لمبدأ التمييز الايجابى .

(7) التزام الدولة بتجريم حرمان المرأة من حقها فى ميراثها الشرعى وجعل ذلك جريمة يعاقب عليها القانون .

*يذكر أن الدكتور عادل عامر هو أستاذ القانون العام والاقتصاد، وعضو المجلس الأعلى لحقوق الإنسان.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى