منوعات

رأفت السويركى يكتب:  “يوسف القرضاوي الذي مات”… لا عزاء ولا شماتة (1)!!

تحول الفضاء الافتراضوي منذ إعلان موت “يوسف القرضاوي” إلى ملطمة ذات نوعية خاصة؛ وسرادق عزاء لإشهار الحزن والفجيعة من أعضاء “جماعة حسن الساعاتي البنَّاء” المشهورين علانية؛ والأعجب من المستترين الذين فضحهم الحزن المُدَّعَى؛ ما استدعي كتابة هذه التدوينة؛ والتي لا تحمل عزاءً في الميت ولا تعبر في الوقت عينه عن شماتة بأية صورة؛ ولا تُشابه ما اشتُهِرَ من نمط مسلكية تلك الجماعة لدى موت من يخالفهم في الموقف والرأي!!

إذ أن الشماتة عند موت من يواجه مشروعهم “الصهيوماسوني” في حقيقته تعدُّ فريضة سياسوية يلتزمون بها؛ لذلك تراهم يملأون الفضاء أفراحاً بمشاعر التشفي كما حدث ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ بموت… (جمال عبد الناصر ومحمد حسنين هيكل والدكتور أحمد زويل إلخ… أنموذجاً)!!

موت يوسف القرضاوي هو حدث متوقع بحكم قانون الخلق؛ لذلك فهو تطور اعتيادوي منفصل عن أية قيمة سياسوية كذلك؛ لأن الموت قانون ملزم الحدوث لا يستثني أحداً… طال العمرُ أم قَصُر. كان الميِّتُ صالحاً أم شريراً.

ولعل بلاغة القرآن الكريم تكفي بالقول للرسول الأكرم: { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ }؛ وكذلك قول إبي العلاء المَعرِّي فيلسوف الشعراء: “صَاحِ هَذِي قُبُورُنا تَمْلأ الرُّحْبَ/ فأينَ القُبُورُ مِنْ عَهدِ عادِ/ خَفّفِ الوَطْء ما أظُنّ أدِيمَ الـ/أرْضِ إلاّ مِنْ هَذِهِ الأجْسادِ”.

لذلك فالشماتة بموت يوسف القرضاوي غير واجبة كمسلكية مرتبطة بالوعي والإدراك العقلانوي؛ فقد ذهب الميت مهما كانت طبيعة وجدانه إلى ما ينتظره وسواه من “ناموس الحساب”؛ وفق ما فعل من خير وشر؛ ولا تبقى شاهداً عليه بعد وقوع حدث الموت سوى السيرة الشهيرة، فيما الجسد يبلى ويصير تراباً.

وذكر السيرة لا يعني “اذكروا محاسن موتاكم”؛ كما يروج له بـ (رواية/ حديث) جرى كشف عوارها ضعفاً من الثقاة في العلم العقدوي؛ بالتغاضي عما قد ترتب على أفعال وأقوال الميت من أضرار ـ سياسويا ـ كانت لها ما يُشبه الكوارث التي دمرت البلاد والعباد؛ وزيَّفت بالمغالطات حقيقة الاعتقاد؛ خاصة إذا كانت ذات ارتباط بمشروع سياسوي منتزعٍ من النسق الماضوي؛ ويعاد تفعيله بتجاهل “فقه الحالة” و”متغير معطيات الزمان”… (مشروع دولة الخلافة الإسلاموية أنموذجاً).

“يوسف القرضاوي الذي مات” كان له مشروعه الفكراني في الجانب العقدوي لا يستطيع مُنْصِفٌ أن ينكره ـ سواء تتفق أو تختلف مع خطابه ـ غير أن مستهدفه الحقيقي كان مشروعاً سياسوياً متغافِلاً عما يُسمى “فقه الحالة” وزمانها؛ كيما لا يُعاد نمط قصة “أهل الكهف” التي لا يدرك مدلولاتها البعض والمرتبطة بمتغيرات الزمان!!
“يوسف القرضاوي الذي مات” ككل الكائنات التي تموت؛ ليس نبياً أو خليفة أو مفوضاً من الله خالق الوجود برسالة إبلاغ؛ وليس معصوماً من الخطأ حين ظنه الأشياع كذلك من أعضاء “جماعة حسن الساعاتي البنَّاء” وهم يحاولون نسج صورة براقة له بعد حدث الموت؛ كما زينوها في معيشته حين جعلوه مُنظِّراً مُقدساً.

ما خلَّفه “يوسف القرضاوي الذي مات” إرثاً من مؤلفات متاح لمن يريد أن يطَّلع عليه؛ وله أن يقتنع بخطابه أو يرفضه شريطة إدراكه أنه قولُ بشر كان منبياً على قناعات ذاتية هيمن عليها الانحياز السياسوي قبل الإنسانوي؛ والماضوي قبل الحداثوي؛ والمروياتوي كموروث فعلٍ مكرورِ التناقل قبل العقلانوي مُنْتَج فِعْل التفكر؛ وهو محكوم كذلك بمستهدف سياسوي فقير في معطيات وآليات التحقق بفقه حالة العصر؛ أي مُتخيل “دولة الخلافة” المنقضية أزمنة وآليات؛ والمُحَدَّثَة في المتوهم بـ “دولة الإخوان المسلمين” التي نسج خرافتها “حسن الساعاتي البنَّاء” وألصقها في جِلْدِ العقيدة جبراً!!

كتب “يوسف القرضاوي الذي مات” ما كتبه؛ فخادع من وَقَعَ في حبائله ظنَّاً أنه تطبيق لمشروع العقيدة؛ وأخذ في ترسيخه لعقود وعقود من عمره الذي انقضى بعد 96 عاماً؛ غير أن “المُتخيل المَدْعُو إليه” شيء و”المتحقق المُفَعَّل” شيء آخر:

– “المُتخيل المَدْعُو إليه” مرتبط بحالة استهدفت إبلاغ خالق الكون بالطور الأخير من الاعتقاد الواجب والقائم على الاقتناع بالواحدوية وقيم الخيروية؛ وهو ما تَحَقَّقَ في الواقع بوصول عدد المسلمين في العالم إلى قرابة المليارين من البشر تجعل الإسلام ـ عقيدة ـ في المرتبة الثانية. ولا يزال العدد يتصاعد بحسن الدعوة التي تداعب ما وقر في القلب من مشاعر.

– لكن” المتحقق المفعل” للمتخيل لا يمتلك أية آليات للتموقع السياسوي في “زمن الحداثة والعصرنة” التي تقوم على الجامع المشترك للبشرية وهو القيم الإنسانوية الممثلة لجوهر العقائد وفق منطوق عبارة “ما لقيصر لقيصر وما لله لله”. فضلاً عن عجز هذا العقل المتكلس في كهف الماضوي عن ملاحقة قوانين وجهود التطور والاختباء في خطاب التهديد والوعيد بالنار والجنات!!

فطقوس عبادة الله ـ في هذا الزمان ـ تكون ممارستها بخصوصيتها في “بيوت العبادة” حسب قناعاتك الفردانية؛ ولكن عليك إشهار الالتزام بتحقق القيم الكلية المجتمعوية الجامعة لكل المواطنين بالعدل؛ والحفاظ على الحُرمات بمفهومها المُشخْصَنِ “لا تقتل؛ لا تسرق؛… إلخ”؛ إذ لا يمكن أن يكون المجتمع كله من طينة عقدوية واحدة {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ }. و{لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } المنسوخة بحكم الجزية في زمانها.

وبموت يوسف القرضاوي هل يمكن التعاطي بامتنان مع مُتحقق مشروعه المدعو إليه؟ فهل قدم حقاً دلائل الخير في دعواته؛ وسعى لتكريس الوجه الحقيقي لعقيدة السماحة؛ أم أنه قدم خطاباً مُرسِّخَاً للعنف والقتل والتدمير؛ والمسلك السياسوي الانتهازوي النفعوي؟ إن خطاب يوسف القرضاوي طيلة حياته يدعو للرثاء؛ منذ صار كادراً مندرجاً في أسر “جماعة حسن الساعاتي البنَّاء”.

لقد جرى تمكينه عبر سراديب الجماعة للقيام بأدوار سياسوية لا حدود لأضرارها؛ وكانت تستهدف في حقيقتها تدمير استقرار أرض الإسلام، وتحطيم بُناها السياسوية، ونمط نظام دولها الحديثة المسلمة، والتي يرفع في فضاءاتها الآذان، وتقام على أرضها شعائر الصلوات؛ وتتضمن دساتيرها ما ينص على أسلمتها من بنود.

لكن “يوسف القرضاوي الذي مات” كان مهجوساً ومنتمياً لجماعة الدعوة بالعمل في الظاهر وفق المتوهم؛ والتي جرى توظيفها من أجهزة استخبارات “دول الكُفْر الغربية” منذ الخطوة الأولى لـ “حسن الساعاتي البنَّاء” المؤسس الأول.

هذا “القرضاوي الذي مات” وقد ذهب إلى الحق؛ يدعونا لتذكر العبارة المشهورة التي قالها الفيلسوف اليوناني “سقراط” لأحد تلاميذه: “تكلم حتى أراك” بمعنى أعرفك؛ والعبارة التي قالها أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه: “الرجال صناديق مغلقة مفاتيحها الكلام”.

وفي حالة “يوسف القرضاوي الذي مات” توافق خطاب الكلام مع خطاب الفعل/ الحركة. فذلك الكادر منذ انتقل إلى منطقة الخليج العربية هو ورفاقه بعد حل جماعتهم السياسوية ظلوا يعملون على تمكين فكر الجماعة من أوصال دولها؛ وشهد عمله بتأسيس “القناع العقدوي” للتنظيم الدولي لجماعة حسن الساعاتي البنَّاء المعروف باسم “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” ليُشَرْعِن حركة الاختراق الخفية لفكر الجماعة السياسوي المختبئ خلف العقدوي.

ولا يزال هذا التنظيم يمارس اختراقاته المتفق عليها بالتنسيق مع الرعاة الدوليين الاستخباراتيين الـ ( CIAأنموذجاً). والتي كانت آخر أطوارها تنفيذ سيناريوهات “الربيع العبروي المتصهين ” بكل الدمار الذي خلفته في سوريا وليبيا واليمن والعراق. وقد كان “يوسف القرضاوي” الذي مات فاعلاً في “التديين” لفوضى الدمار المتحقق من داخل تلك الدول سواء بالوكالة ( العراق وليبيا أنموذجا) أو بالفعل ( سوريا واليمن أنموذجاً) أو بالفشل في التمكين ( مصر وتونس أنموذجاً).

لذلك لا ينبغي تناسي الدور الذي لعبه “يوسف القرضاوي الذي مات” في التمهيد والترويج والمباركة لفوضى تدمير نمط نظام الدولة الوطنوية العربية على الرغم من أن الإسلام هو عقيدتها الأساس؛ غير أن “المضمر المسكوت عنه” في مشروع التأخون الذي اعتُبِرَ القرضاوي فقيهه لم يكن يقبل باستمرار هذا النمط من الحكم مهيمناً لأنه يتشوق متولهاً لنمط “دولة المرشد”.

ومن هنا واصل “يوسف القرضاوي الذي مات” إبراز الانتهازية الحركية كعادة منهج جماعته؛ بممارسة المديح للسلطة القائمة في بلاد المسلمين ثم الانقلاب عليها والدعوة لقتلها. ولعل مواقفه السياسوية المشهورة تثبت مصداقية قول أرسطو وعلي ابن ابي طالب:

** “يوسف القرضاوي الذي مات” في تسجيل شائع على شبكة الانترنيت قام بمدح الرئيس السوري بشار الأسد على سبيل النفاق قائلاً: “سيتـآمرون عليه مستقبلاً ـ يقصد الأميركيين ـ لرفضه غزو العراق ولبنان ومساندته غزة”. ثم ينقلب عليه لاحقاً في خطبة جمعة بالدوحة ويقول له: “لا تظن يا بشار أنت ومن معك أنك غائب عن الله، وعما فعلت وتفعل مع المستضعفين السوريين ـ يقصد الإخوان المسلمين السوريين ـ والله سينصر المسلمين المضطهدين،… فالله يستجيب لدعاء المظلومين”!

** “يوسف القرضاوي الذي مات” التقى الرئيس الليبي معمر القذافي العام 2003 م في خيمته؛ ووصفه بـ “الأخ قائد الثورة صاحب التحليلات العميقة والواضحة لمجريات الأمور”؛ ثم انقلب عليه وفق “فقه المصلحة السياسوية”، ودعا حلف شمال الأطلسي “الناتو” للتدخل في ليبيا، وتخليصها من معمر القذافي محرضاً الجيش الليبي عبر قناة “الجزيرة القطرية”: “… أوصيكم بقتله. كل من استطاع منكم أن يقتله فليفعل… ومن يتمكن من ضربه بالنار فليفعل ليريح الناس من هذا الرجل المجنون”!!

** “يوسف القرضاوي الذي مات” له سجل عامر من مواقف “فقه المنافقة” مع الرئيسين السابقين: التونسي زين العابدين بن علي والجزائري عبد العزيز بوتفليقه عبر الارتباط بمكاسبه الشخصانية منذ وجوده في الجزائر؛ وكذلك مكاسب جماعته التي يضيق المكان عن ذكرها.

** “يوسف القرضاوي الذي مات” الذي أفتى بأن التظاهر فرض عين على كلّ مصري؛ وصف رفض الشعب المصري بأخونة الدولة بقوله: “الذين خرجوا على الرئيس محمد مرسي، هؤلاء من ينطبق عليهم من حديث من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم، فاقتلوه أو فاضربوه بالسيف كائن من كان”. والأنكى في الأمر أنه عقب فض “اعتصام رابعة الخارج عن القانون” مارس الدعوة لإشعال الحرب الأهلية في مصر، مع تحريض الشباب بالامتناع عن تأدية “الخدمة الوطنية العسكرية/ التجنيد”.

** “يوسف القرضاوي الذي مات”… دفتر حكاياته الانتفاعوية سياسوياً مترهل ومتضخم بكل المستويات؛ فهو في تسجيل فيديوي يتبجح قائلاً: إن “الله وجبريل والملائكة وصالح المؤمنين يؤيدون الرئيس التركي رجب طيب أردوغان”…. و”إن إسطنبول عاصمة الخلافة الإسلامية وينبغي أن تكون عاصمة لكل عمل إسلامي، وهذا شأن تركيا، التي تجمع بين الدين والدنيا والقديم والجديد، والعربي والعجمي، والأمة في أفريقيا وآسيا”.

** “يوسف القرضاوي الذي مات”… أكد لـ “قناة الجزيرة” ما يعني أنه يقنن فعل القتل والإرهاب من الانتحاري بتفجير نفسه وسط المدنيين بقوله: “الأصل في هذه الأمور أنها لا تجوز إلا بتدبير جماعي، فإذا رأت الجماعة أنها بحاجة إلى من يفجر نفسه في الآخرين ويكون هذا أمراً مطلوباً وتدبر الجماعة كيف يفعل هذا بأقل الخسائر الممكنة “!!

والمثير للسخرية من “يوسف القرضاوي الذي مات” قوله لرجل الدين السعودي “سلمان العودة” بقناة “الحوار” المتأخونة حول العمليات الاستشهادوية للفلسطينيين ضد قوات الاحتلال الصهيوني: ” إنه لا يجوز للفلسطينيين القيام بهذا الأمر لأنه أصبح هناك وسائل أخرى، وذكرت هذا في كتابي (فقه الكتاب) وأنا لا أرى أن هذا جائز الآن”!!

كشف حساب “يوسف القرضاوي الذي مات” مُتْخَمٌ بالكوارث التي قام بالتنظير لها مدفوعاً بوجدانه البنَّائوي؛ وبما عمل عليه متأخوناً منذ انتسابه طالباً في المرحلة الثانوية لتلك الجماعة الضالة العام 1949م؛ وانتقاله إلى قطر وحصوله على جنسيتها، ليمارس خطاب التضليل، وتديين القتل، وتطبيق سيناريوهات تفكيك الدولة القوموية/الوطنوية لصالح متوهم ماضوي منقرض اسمه “دولة الخلافة” قد تجاوزه فعل البشر ترسيخاً للحداثة بنسقها التطوري بالعقل والعلم والتفكر والذي لا ينقطع، ولا يستسلم حتى للمسلمات بغير التفكر في مكنوناتها.

ولربما يستدعي البعض ممن يحركهم وجدانهم المضمر مقولة “اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم” حزناً على “يوسف القرضاوي الذي مات”؛ ولكن على هذا البعض التأكد من أن هذه المقولة توصف بأنها: “حديث ضعيف”؛ بل ذكرت “لجنة الفتوى الدائمة” بالمملكة العربية السعودية “انه غير صحيح؛ لأن في سنده عِمران بن أنس المكي، وقال فيه البخاري: منكر الحديث، وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه؛ وقال أبو حاتم بن حبان البستي : يخطئ”.
لذلك فإن الحدث/ الحكاية توصف بأن “يوسف القرضاوي الذي مات… لا عزاء ولا شماتة”!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى