منوعات

أحمد الشهاوي يكتب : «آية الكهرمان»

اخترتُ أن أبدأ القسم الأول من كتابي ” أنا من أهوى 600 طريق إلى العشق ” الصادر عن الدار المصرية اللبنانية ” في سبتمبر 2016 ميلادية.

وهو مكوَّن من ستة أقسام ، في كل قسم مئة طريق إلى العشق ب ” آية الكهرمان ” ، لأن الكهرمان مادة ما أن فركتها يدك ، حتى خرجت منها رائحة شجر الصنوبر أو رائحة الكافور ، التي تشبه إلى حدٍّ كبيرٍ رائحة جسد الأنثى ، التي بالتالي تشبه رائحة الأرض العطشى ، عندما تُروى أو ينزل مطرٌ في دغلها السريِّ .

كما أن الكهرمان أو القهرمان أو العنبر إذا ما أُحرِق ، انبعثت منه – أيضًا – رائحة مدهشة آسرة وخاصة وغريبة تُغري وتجذبُ ، إضافةً إلى ظهور لهبٍ مشتعلٍ مزدوجٍ ، يلمعُ ويبرقُ كعينيْ المرأة البريَّة ساعة العشق .

والكهرمان أبديٌّ ، لا يذوبُ في الماء ، إذْ هو مادةٌ عضويةٌ تكوَّنت قبل ملايين أو آلاف السنين ، متسقٌ في شكله كجسدٍ باذخٍ منيرٍ ، وذو خصائص تتغيَّرُ كالمرأة تمامًا في سماتها ، لأنه يتحدُ ويستوعبُ ويحتوي ويحتضنُ ، إذ نرى الكهرمان يحتوي كائناتٍ داخله عمرها كعُمر الحضارات القديمة ، كأنه الأزلُ .

ومن صفات الكهرمان تنوُّعه في اللون والشكل ، حيث نجدُ ألوانه تتعدَّدُ بين الأصفر والبرتقالي والأحمر البنِّي المائل أحيانًا إلى الأسود ، والأزرق وهو نادرٌ وفريدٌ .

وكون النساء يعشقن الكهرمان ، ويستخدمنه في مُجوهراتهن ، فهو أيضًا يُشفي من الآلام والأوجاع ، وهو دواءٌ لكثيرٍ من الأدواء ، ويحمي من الشرِّ والأذى ، خُصوصًا من الحسد ، وأعمال السِّحر تحديدًا ، ويمنح الدماغَ طاقةً إيجابيةً ، ويضبط إيقاع القلب ، ويُبعد الشيخوخة عن صاحبته ، إذْ من أسمائه أنه ” إكسير الشباب أو إكسير الحياة ” ، ومن خبراتي كمهتم بالمجوهرات ، دائمًا ما أنصحُ النساء بارتداء الكهرمان كحليٍّ تزيدهن جمالا وصحةً .

وهناك أساطير كثيرةٌ حول الكهرمان لدي الشعوب ، إذْ يعتقدُ كلُّ شعبٍ في قدرته على فعل شيءٍ يخصُّ الإنسان .

ومن خصائص الكهرمان الحقيقي – غير المُزيَّف – أنه يطفو في الماء المالح ، وإذا ما نزل في القاع فهو غيرُ حقيقيٍّ أو غير طبيعيٍّ ، تم تصنيعه من مواد أخرى حديثة ، رخيصة الثمن ، وهو عندي في هذه النقطة يشبه النساء البريَّات اللواتي لا يتكلَّفن ، ولا يتصنَّعن ، ولا يدَّعين ما ليس فيهن من سحرٍ وأسْرٍ وجاذبيةٍ .

وقد افتتحتُ به كتابي ؛ لأن الكهرمان بدأ في الأصل ” دمعةً ” أسطوريةً عابرةً للأزمان والأجيال والحضارات على ساق شجرة صنوبر ، ظلَّت تكبرُ وتنمو طوال ملايين أو آلاف السنين ، حتى صارت للناس زينةً ، كدمعة المرأة التي تبدأ صغيرةً ، وتكبرُ حتى تتحجَّر في المآقي مع تكاثف آلامها ، وتزايد أوجاعها ؛ مما يلحق بها من المجتمع المحيط ، ومن الرجل الذي أحبَّت أو ارتبطت به ، تلك دمعةٌ أبديَّةٌ كانت في الأصل نقيَّةً وبريئةً ، لكن من فرط تكرار نزولها شابتها شوائبُ ، وعلقت بها على مدار السنين ذرَّات الأسى ، وغُبار الوجع ، لكنَّها تظلُّ رغم ذلك الأصفى والأنقى والأشفّ والأندر .

وكان اليونانيون قديمًا يعتقدون أن الكهرمان ما هو إلا ” دموع الإله ” ، حيث كانت الأشجار تبكي دموعًا ذهبيةً ، تحوَّلت بعد ذلك إلى الكهرمان ” الذهبي ” .

والكهرمان يشبهُ جسدَ المرأةِ في ليونته وانسيابيته وتجلِّيه وإشراقه ، وكذا في شفافيته ونقائه ، ودرجة نورانيته ، إذ من السهل تشكيله وتطويعه وصياغته ، وقد استخدمه المصريون القدماء لطرد الأرواح الشريرة ، والكهرمان كالمرأة تمامًا ، إذْ عندما يتعرَّض للنور يتحوَّلُ ويتغيَّرُ كيانه ، وكذا المرأة إذا ما تعرَّضتْ لنور العشقِ صارت كائنًا آخرَ غير الذي كانت عليه من ذي قبل .

العشق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى