عاجلعقارات

إيهاب سعيد يكتب: القطاع العقاري بعد خفض الفائدة: قراءة مختلفة لمعادلة معقدة

لطالما عُدَّ خفض أسعار الفائدة محفزًا رئيسيًا للنشاط الاقتصادى بصفة عامة والعقاري بصفة خاصة؛ فالفائدة المنخفضة تعني وفرة في السيولة، وتراجع تكلفة الاقتراض، وزيادة القدرة الشرائية، وهو ما ينعكس بدوره على ارتفاع الطلب على العقارات وتوسّع حركة الاستثمار.

غير أن الواقع المصري يبدو أكثر تعقيدًا خلال السنوات الاخيرة، حيث تتداخل العوامل الاقتصادية بشكل يجعل من الصعب إسقاط التجارب العالمية بحرفيتها على السوق المحلي.

دورة اقتصادية متكررة

شهد الاقتصاد المصري خلال السنوات الماضية سيناريو متكرر، تجلى فى انخفاض لقيمة العملة، يتبعه تعويم كبير، ثم رفع في أسعار الفائدة، وخلال تلك الفترات كان دائما هناك اقبال واسع على الدولار والعقارات كملاذات آمنة للتحوّط من تآكل المدخرات.

وفي السنوات الاربع الماضية، بقيت أسعار الفائدة عند مستويات مرتفعة تتجاوز 20 – 25%، ورغم أن السياسات النقدية اعزت قرارات خفض أسعار الفائدة الأخيرة والمتتابعة بتراجع معدلات التضخم، الا ان الأسعار ما تزال عند مستويات قياسية، وانخفاض وتيرة ارتفاعها لا يعني بالضرورة تحسن القوة الشرائية للمواطنين.

أثر الفائدة المرتفعة على العقار

تراجع قيمة العملة وارتفاع معدلات الفائدة، دفع شريحة واسعة من المصريين إلى شراء العقارات بغرض التحوط، معتمدين فى ذلك على عوائد الشهادات البنكية المرتفعة في سداد الأقساط، لا سيما مع تراجع قيمة المقدمات. ومع استمرار هذه السياسة لسنوات، ارتبطت مدخرات غالبية القطاع العائلى بالبنوك لفترات طويلة.

والغالبية لم تضع فى اعتبارها امكانية انخفاض الفائدة بهذه الحدة وبهذا الشكل المتسارع بما يقارب 7,25% فى سبعة اشهر، لتتراجع الشهادات مرتفعة العائد من متوسط 23 – 25% الى متوسط 17% كأعلى شهادة ثلاثية متاحة الان (اذا لم يتم خفضها هى الاخرى بعد قرار المركزى الاخير بخفض اسعار الفائدة 1% ديسمبر 2025)

في الأسواق المستقرة، قد يدفع ذلك المدخرين لسحب أموالهم وضخها في السوق العقاري. غير أن الوضع في مصر يختلف؛ فالكثير من المشترين دخلوا السوق بالفعل، ما يقلل فرص حدوث موجة طلب جديدة.

بل إن خفض الفائدة قد ينعكس سلبًا على من اعتمدوا على عوائد الشهادات مرتفعة العائد في سداد أقساطهم، ليجدوا أنفسهم عاجزين عن الوفاء بالتزاماتهم وسط تضخم الأسعار وتراجع الدخول. وهذا قد يقود إلى موجة تعثر شديدة او ارجاع للوحدات العقارية إلى المطورين، وهو سيناريو معاكس تمامًا للتصورات السائدة.
مخاطر التيسير المفاجئ

وبخلاف الاثر على القطاع العقاري، فالتحول السريع نحو سياسة نقدية تيسيرية، بعد سنوات من التشديد، يحمل مخاطر إضافية. فالخفض بمعدل 7,25% خلال سبعة أشهر، مع توقعات بمزيد من التخفيض، يأتي في وقت لازال يعاني فيه الاقتصاد من ضغوط تضخمية موجودة وواضحة، فى ظل ركود حاد بالاسواق بسبب عدم تناسب مستويات الدخل مع ارتفاع الاسعار.

بين المدى القصير والمدى الطويل

بالتأكيد لسنا ضد سياسة تخفيض اسعار الفائدة، خاصة في ظل تفاقم عجز الموازنة وارتفاع بند خدمة الدين الى مستويات قياسية ليصل الى 4,4 ترليون جنيه فى مقابل اجمالى ايرادات 3,1 ترليون جنيه بنسبة 142%، ولكننا نرصد فقط الاثار المحتملة لهذا الخفض السريع على القطاع العقاري تحديدا، والذي يُعتقد خطأً أنه سيكون المستفيد الأكبر.

نعم، الفائدة المرتفعة هي العدو الأكبر للسوق العقاري والاستهلاكي، ومن الطبيعي أن ينعكس تراجعها إيجابًا على المدى الطويل، لكن على المدى القصير ستظل هناك كلفة للفترة السابقة التي شهدت مستويات فائدة قياسية لفترات طويلة، ونفس الامر ينطبق على كافة السلع والخدمات، خاصة وان الازمة الاساسية لتراجع مستويات الطلب تتعلق بشكل اساسى بالقدرة الشرائية التى تراجعت بشكل خطير بفعل انهيار قيمة العملة

سؤال مفتوح

يبقى السؤال الأهم: ماذا سيحدث إذا تحقق السيناريو السلبي وتعثر المشترون في سداد الأقساط، خاصة في ظل الركود الحالي، والعشوائية التي يعاني منها السوق العقاري، وغياب الرقابة الفاعلة على أداء المطورين مع عقود إذعان لا توفر اى حماية للمشترين؟، والى اى مدى قد يتأثر القطاع العقارى الذى يعانى بالاساس من مبالغة فى التسعير وضعف فى الطلب وركود غير مسبوق؟.

*يذكر أن إيهاب سهيد، هو خبير اقتصادي وعضو مجلس إدارة البورصة المصرية السابق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى