تتجه أنظار العالم أجمع إلى مدينة شرم الشيخ التي تشهد فعاليات قمة المناخ ” Cop27 ” في الفترة من 6 إلى 18 نوفمبر المقبل .
هذه القمة يشارك فيها قادة 197 دولة ومسئولون كبار من منظمة الأمم المتحدة وآلاف العلماء والنشطاء المهتمون بالبيئة ، كي يناقشوا سُبل تقليل حجم المخاطر البيئية التي يتعرض لها كوكب الأرض ، وما تم بشأن تفعيل الاتفاقية التي تم توقيعها في مدينة “جلاسكو” ببريطانيا في قمة المناخ العام الماضي ، وهي الأولى من نوعها التي تنص صراحة على تقليل استخدام الفحم الذي يتسبب في زيادة الانبعاثات الغازية في الغلاف الجوي.
أتصور أن هذه القمة ستكون مختلفة تماماً عن سابقاتها في ظل تعهدات الرئيس عبد الفتاح السيسي بجعل المؤتمر “نقطة تحول جذرية في جهود المناخ الدولية بالتنسيق مع جميع الأطراف لصالح إفريقيا والعالم بأسره”.
لقد تنبه العالم منذ وقت طويل إلى ضرورة مجابهة المخاطر البيئية التي أدت إلى حدوث تغير سلبي للمناخ على سطح الكرة الأرضية بشكل يُهدد حياة سكان الأرض خاصة الدول النامية أو الأكثر فقراً ، ومن ثم دعت منظمة الأمم المتحدة إلى عقد أول قمة معنية بهذا الشأن في شهر مارس من عام 1997 ، حضرتها 197 دولة وانتهت بتوقيع معاهدة تلزم تلك الدول بالحد من تأثير النشاط البشري على المناخ .
منذ ذلك الوقت والقمة تُعقد سنويا في إحدى دول القارات المختلفة بالتناوب .. وفي العام الماضي تقدمت مصر “ممثلة للقارة الإفريقية ” بطلب استضافة الدورة الـ 27 ، وبالفعل وقع الاختيار عليها تأكيداً لدورها المحوري في العالم عامة وفي القارة السمراء بشكل خاص .
لا شك أن الرئيس عبد الفتاح السيسي سوف يتمسك بضرورة تفعيل ما جاء باتفاقية “جلاسكو ” العام الماضي وضرورة وفاء الدول الموقعة عليها بالتزاماتها العملية بتقليل معدل الانبعاثات الغازية الدفيئة وثاني أكسيد الكربون التي أدت إلى رفع درجات حرارة الأرض ، والعمل على زيادة نسبة تخفيض معدلات انبعاثات الغازات الدفيئة ، بما يتماشى مع تقليل معدلات زيادة درجة حرارة الكوكب إلى أقل من 1.5 درجة مئوية، فضلاً عن الوفاء بالتزاماتها المادية بتوفير دعم مالي من قبل الدول الغنية المتسببة في 97% من المخاطر “يعملوها الكبار ” ، بقيمة 100 مليار دولارسنوياً للدول النامية “ويقعوا فيها الصغار ” ، باعتبارها الأكثر عُرضة للآثار الضارة الناجمة عن التغير المناخي ، كالفيضانات والجفاف وحرائق الغابات ، في الوقت الذي لم تكن لها يد في ذلك التخريب البيئي المتعمد إلا بنسبة 3% فقط ! ، فربما يكون ذلك الدعم المادي المتواضع مُعيناً على تكيفها مع تبعات التغير المناخي الذي يشهده كوكب الأرض .
وبعد مرور 27 عاما قضاها العالم في مناقشات وتعهدات لم تدخل حيز التنفيذ ولم تحرك ساكناً ، في ظل استمرار حالة الجشع المستمر والمتزايد من قبل الدول الصناعية الكبرى على مدى أكثر من قرن ونصف القرن ، غير آبهة أو مبالية بأن ما تعبث به سوف يخرب أرضها ويهدد وجودها .. أتصور أنه قد حان الوقت بالفعل للانتقال إلى حالة الطوارئ، وإنهاء ذلك الجشع أو الحد منه “على أقل تقدير ” لمحاربة تغير المناخ الذي يهدد الدول الفقيرة بالفناء !
لا شك أن قيادتنا السياسية قد وضعت تفعيل المساعدة المالية للبلدان النامية على رأس جدول أعمال محادثات المناخ هذا العام ، وستعمل بكل قوة ودون أدنى مواربة نحو تنفيذ الدول الكبرى لتعهداتها في مؤتمرات الأمم المتحدة السابقة للمناخ، ، على رأسها اتفاقية باريس الموقعة عام 2015، واتفاقية قمة كوبنهاجن عام 2009، حيث تعهد الموقعون بضخ مليارات الدولارات لمساعدة البلدان الفقيرة على التعامل مع تأثيرات تغير المناخ ، فضلاً عن تحريك ما وعدت به 500 شركة خدمات مالية عالمية في قمة العام الماضي بتخصيص 130 تريليون دولار على شكل استثمارات بالدول النامية الأكثر تضرراً تحت مسمى التنمية المستدامة .
لاشك أيضاً أن قيادتنا السياسية قد وضعت في اعتبارها حجم التحديات الصعبة التي يمكن أن تواجه قمة المناخ بشرم الشيخ ، على رأسها الحرب الروسية الأوكرانية التي أربكت العالم ، فضلاً عن موجات التضخم الاقتصادي العاتية التي سببها فيروس كورونا وما ترتب عليها من ارتفاع غير مسبوق في أسعار الطاقة والغذاء ، الأمر الذي أدخل البلدان الغنية في صراع كبير مع أزمة تكاليف المعيشة ربنا تتخذها زريعة للتهرب من الوفاء بتعهداتها المالية ، بينما تكافح الدول الفقيرة تحت وطأة الديون .
لقد أصبح من الضروري أن تتحمل معظم الاقتصادات الكبرى في العالم مسئولياتها الآن ، وتعترف بجريمتها الكبرى باعتبارها أكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، في الوقت الذي حنثت فيه بوعودها وتعهداتها التي قطعتها في قمة جلاسيكو التي عقدت في شهر نوفمبر من العام الماضي ، ولابد أن تنتقل من مرحلة الوعود والعهود إلى حيز التنفيذ .
لا شك أن البلدان النامية تواجه صعوبة ومعاناة شديدة في الحصول على تمويل مشروعاتها الكبرى فضلاً عن عبء الديون المتزايدة الذي يمنعها من اتخاذ إجراءات من شأنها تقليل الانبعاثات، أوالقيام باستثمارات تساعدها على مواجهة آثار أزمة المناخ، تلك الأمور ــ كما سبق أن ذكرت ــ ستمثل أولوية الأطروحات لمصر في قمة المناخ ، فمساعدة الدول الفقيرة على خفض انبعاثاتها، ورفع قدراتها على مقاومة تأثيرات الطقس القاسي ستفيد الدول الغنية أيضاً ، تلك الدول الغنية ستحتاج إلى إيجاد طرق لتعويض الدول الفقيرة عن عدم استخراج المزيد من النفط والغاز، “كما قال وزير المالية الدكتور محمد معيط ” الذي ضرب مثالاً حياً بدولة السنغال، التي من المتوقع أن تتوصل لاكتشافات كبيرة للغاز يمكن أن تغير وجه اقتصادها – لكنها ستشكل أيضاً قنبلة كربونية ضخمة، من النوع الذي إذا تم استغلاله ستنتج عنه درجات حرارة تتجاوز حد الـ 1.5 درجة مئوية المستهدف تخفيضها في جلاسكو ! ــ لذلك لابد من تعويضها مالياً .
إن قمة المناخ بشرم الشيخ ستكون منوطة أيضاً بالدفاع عن الدول النامية التي لم تفعل شيئاً يُذكر لخلق أزمة المناخ، لكنها تواجه خطر التعرض للعقاب ، والتأكيد على أن تلك الدول بحاجة إلى رفع معاناة وأعباء الديون عنها ، ولن يتحقق ذلك طالما لم تف الدول الكبرى بتعهداتها .
إن توصيات قمة الأرض في “جلاسكو” العام الماضي لم تتوقف عند تعهدات مالية بل تطرقت لمجالات أخرى والتي لابد أن تتوقف عندها قمة المناخ هذا العام كي نبحث سبل تنفيذها ، ومنها تغيرات لابد أن تطرأ على حياتنا مثل تغير الطريقة التي نتنقل بها كالتحول إلى استخدام سيارة كهربائية يتوقع الخبراء أن تعادل كلفتها نفس كلفة السيارات الجديدة التي تعمل بالبنزين أو الديزل في غضون السنوات الخمس المقبلة.
نعم لابد أن ندرك حجم المخاطر البيئية التي تهدد العالم ، ولابد أيضا من تداركها بشكل جماعي علمي ومنظم وإلا ستكون النتائج كارثية ومفزعة لما يمكن أن ينتظر العالم في منتصف هذا القرن أو نهايته ، بعد أن أصبحنا نعاني من ظاهرة الأوزون السطحي الذي اقترب بشكل خطير من سطح الأرض بسبب زيادة التلوث ، هذا الأوزون يمثل الدرع الواقي الذي يمنع نفاذ الأشعة فوق البنفسجية الواردة من الشمس .. وعندما يقترب من الأرض يلعب دور الغازات الدفيئة القاتلة !
واسمحوا لي أن أعيد عليكم بعض ما سبق أن ذكرته من معلومات خطيرة في مقال سابق حول ما سببته تلك التغيرات المناخية من مخاطر:
• ارتفاع درجات حرارة الأرض عن معدلاتها الطبيعية وتصاعد ذلك الارتفاع عاما تلو الآخر ، وارتفاع مستوى مياه البحار والمحيطات .
• احتواء الجو حاليا على 380 جزءا بالمليون من غاز ثاني أكسيد الكربون المسبب الرئيسي للاحتباس الحراري مقارنة بنسبة 275 جزءا بالمليون التي كانت موجودة في الجو قبل الثورة الصناعية وهذا يمثل زيادة نسبتها 30% خلال الـ150 سنة الماضية ، وإذا استمر هذا المعدل ربما تصل النسبة إلى 100% بنهاية القرن الحالي !
السؤال الأهم : ماهي العواقب المحتملة إذا لم نتحرك لمواجهة تلك المخاطر ؟
• إن ارتفاع درجة حرارة الكوكب أو الكون بهذا الشكل سيهدد حياة ثلث الأنواع الحيوانية والنباتية ويعرضها للانقراض ، كما ستتراجع كميات صيد الأسماك في المناطق الاستوائية بمعدل يتراوح بين 40 و70 في المئة بحلول عام 2050!
• سوف يتسبب الارتفاع غير المرئي في مستوى سطح البحر بمقدار 1.5 سم تقريبا سنويا إلى ارتفاعه بمقدار 1.5 متراً بحلول عام 2100 ، نتيجة ذوبان الثلوج في القطبين الشمالي والجنوبي وانسياب مياههما في البحار مما سيؤدي إلى ارتفاع منسوبها ، هذا الارتفاع المحتمل سيشكل تهديداً بابتلاع البحار للجزر و المدن السكنية الساحلية التي يقطنها قرابة الـ 150 مليون شخص ، إضافة إلى نقص المياه العذبة !
• هناك أكثر من مليار شخص سيكونون عرضة للموت نتيجة نقص المياه بسبب ذوبان الثلوج الجبلية والمساحات الجليدية التي تعمل كخزان طبيعي للمياه العذبة ، وهناك أيضاً 2.25 مليار شخص إضافي معرضون لخطر الإصابة بحمى الضنك في آسيا وإفريقيا وأوروبا، في ظل سيناريوهات الانبعاثات العالية المفزعة.
• احتاج نحو 166 مليون شخصا في إفريقيا وأمريكا الوسطى، إلى المساعدة بين عامي 2015 و2019 بسبب حالات الطوارئ الغذائية المرتبطة بتغير المناخ ، كذلك فإن هناك ما بين 8 و80 مليون شخص، أكثر عرضة لخطر المجاعة بسبب تراجع المحصول الزراعي وتقلص المخزون الغذائي بحلول عام 2050 ، وهناك نحو 1.4 مليون طفلا سيعانون من التقزم الشديد في إفريقيا بسبب المناخ في 2050.
• تراجع خصوبة التربة وتفاقم التعرية بسبب ازدياد الجفاف الذي سيؤدي إلى تفاقم ظاهرة التصحر !
• وفاة 150 ألف شخص سنويا بسبب التغير المناخي الحادث حاليا .
• ازدياد الجفاف في الشمال الإفريقي وجنوبه مع ارتفاع نسبة الرطوبة بصورة ربما تكون غير محتملة وبالتالي ستتقلص المساحات المنزرعة بسبب نقص المياه وتوابع ذلك من نقص مؤكد في المخزون الغذائي !
• انتشار الأوبئة بين الحيوانات والنباتات البرية والبحرية مع احتمالات قوية بانتقالها للبشر ، فمع ارتفاع درجات الحرارة يزداد نشاط ناقلات الأمراض من حشرات وقوارض فتصيب عدداً أكبر من البشر والحيوانات ، كما وُجد أن فصول الشتاء المتعاقبة المعتدلة حراريا فقدت دورها الطبيعي في الحد من الجراثيم والفيروسات وناقلات الأمراض ، كذلك لوحظ أن فصول الصيف منذ العقد الأخير من القرن الماضي زادت حرارة وطولا مما ضاعف من المدة التي يمكن للأمراض أن تنتقل خلالها إلى الكائنات الحية !
إذن ..ربما يُكتب فناء العالم بنهاية القرن الحالي إذا لم نتحرك ، كما سيكون القطاع الزراعي الذي يمثل صمام الأمن الغذائي هو الأكثر تضرراً بالتغيرات المناخية نتيجة شح المياه والتصحر بما يستلزم ضرورة إعداد خطط مستقبلية لتأثير التغيرات والمشاكل المناخية الحالية والمتوقعة على منظومة الزراعة لصياغة تصور لسبل مواجهة هذه الضغوط والحد من آثارها السلبية فضلاً عن زيادة قدرة القطاع الزراعي على التأقلم لمواجهة التغيرات المناخية وتطوير تقنيات إدارة التربة الزراعية وتوعية المزارعين وتدريبهم على الممارسات المرزعية والإدارة المزرعية الجيده، لتوفير كميات المياه والأسمدة والمبيدات المستخدمة، مما يؤدي ذلك إلى التقليل من غازات الاحتباس الحراري.
وفي الختام أتساءل :هل فكرنا في الكوارث التي يمكن أن تحدث والمستقبل المرعب الذي ينتظرنا إذا ما استمرت الموجات شديدة الحرارة التي نعيشها هذه الأيام وما ينتج عنها من فيضانات مميتة تذيب جبال الجليد وحرائق تندلع في الغابات ؟
كلي ثقة في قيادتنا السياسية على إنجاح قمة المناخ في شرم الشيخ وإحداث نقلة جذرية في الآليات المتبعة للخروج بالتعهدات والتوصيات السابقة واللاحقة إلى حيز التنفيذ حتى نمنع كارثة فناء العالم.