حين يعترف “عمرو حمزاوي” بأن ” المعارضة من الخارج وهم”؛ فتلك من دواعي السخرية التي تستوجب الرثاء لهذه النوعية من متنشطي العالم الافتراضوي، وبيادق “سيناريو الربيع العبروي المتصهين”.
و”عمرو حمزاوي” هذا ليس من السذاجة أو البراءة أن يتغير ويتقلب هكذا استجابة لمشاعره الكذوب؛ فهو كما اشتُهر متخصص في العلوم السياسوية دراسةً وممارسةً؛ بل والأنكى أنه كبير الباحثين لدراسات الشرق الأوسط و”مدير برنامج كارنيغي للشرق الأوسط/ مركز مالكوم كيرـ كارنيغي” التابع لـ “مؤسسة كارنيغي الأميركية للسلام الدولي”؛ والتي ترعاها أجهزة الاستخبارات الأميركية المتخصصة والفاعلة في تطبيق “الاستراتيجيات الأميركية” لإثارة القلاقل والفتن في منظومات الدولة الوطنوية.
والتصريحات الأخيرة لـ”عمرو حمزاوي” قد تُسعد البعض باعتبارها تعبيراً عن تحولات منطق الهزيمة ممن لا يحاولون قراءة المتغيرات في سياقاتها. فهذه النوعيات الوظيفوية من العناصر المستصنعة بوعي جرى تخليقها سياسوياً في مراكز الأبحاث والدراسات، لاستخلاق تصورات مُضللة تجاه الأنظمة المحلية والتحديات التي تحيط بها؛ ومحاولة بناء صور مشوهة حول أجهزة الأنظمة، وبصفة خاصة “المؤسسة العسكريتارية” المسؤولة وطنياً عن حماية التماسك؛ ورد الاستهدافات المضادة للاستقلال.
ولعل القراءة المدركة لمستهدفات خطاب هذا المركز الاستخباروي الأميركي ـ “مؤسسة كارنيغي الأميركية للسلام الدولي” ـ تضع يديها على حقيقة مَقْصُوْدِه. إذ تكفي بعض عناوين الموضوعات التي يُعالجها باحثوه دليلاً كاشفاً لطبيعة الوظيفة السياسوية بكل عَفَنِهَا المضاد للأوطان؛ من مثل “المسألة المصرية”: ” تفكيك جمهورية الضباط – مركز كارنيغي للشرق الأوسط”؛ “أولياء الجمهورية: تشريح الاقتصاد العسكري المصري”؛ آثار الاقتصاد العسكري المصري”؛… إلخ المنتسبة إلى الفلسطيني “يزيد صايغ” والذي تجاهل كل كوارث وعلل وطنه السليب الأصلي “فلسطين”؛ فإذا به لم يتضاد مع “الدولة الصهيونية” وتفرغ “قناعاً للتمويه” على سبيل توزيع الأدوار لتشويه الأوضاع المصرية.
ولعل التركيز في “الخطاب الكارنيغي” على تشويه جهود “مؤسسة الجيش المصري” المضطرة في حقول الاقتصاد والتنمية؛ والتي يفرضها ما يُسمى “فقه الحالة والضرورة” علاجاً لتداعي أقنية الدولة السابقة؛ نتيجة الفساد والتوجهات العشواءوية ـ خلال مرحلة حسني مبارك وريثة اتفاقية السادات ـ يكشف حقيقة الإنزعاج النخبوي المتمول من ثابت امتلاك “الدولة المصرية” لقوتها الحاسمة والباترة؛ وقد عطلت بكفاءة استرتيجاوية جهود تفتيت المنطقة حسب “سيناريوهات الربيع العبروي المتصهين” والتي تحاول جعل الدولة الصهيونية قلب المنطقة.
ولكن المفاجأة تتجلى في تصريحات “عمرو حمزاوي”؛ فقد ـ كما نقلت المواقع الإخبارية ـ ذكر: ” أن هناك انجازات اقتصادية واجتماعية حدثت في مصر خلال السنوات الماضية… مُضيفاً : “أريد الجمهورية الجديدة في مصر قوية وعادلة خاصة وأن الظرف الإقليمي صعب للغاية بسبب جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية”.
وينبغي افتراض البراءة؛ والتماس النوايا الحسنة لذلك التحول في الخطاب النوعوي الجديد لـ “عمرو حمزاوي”؛ وهو مقبل ـ مُرحَّبَاً به من الدولة المصرية ـ للمشاركة في مناسبة “الحوار الوطني”؛ والذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي؛ تعميقاً لاستراتيجية بناء “الجمهورية الجديدة”؛ في مرحلة مغايرة للوضع السابق لـ “فوضى يناير” الموسومة بالثورة.
إن القراءة التفكيكوية لتعبيرات “عمرو حمزاوي” في حواراته الأخيرة مع بعض القنوات التلفازية… تؤكد هزيمة هذه النوعية من النخب الفاشلة؛ وقد انساقت لمخططات “هدم الدولة المصرية” لعلها ـ لا قدر الله ـ تلحق بشقيقاتها في: العراق وسوريا وليبيا واليمن والسودان؛ حسب درجاتها في الانتكاب السياسوي.
لذلك كانت الدعوة لـ “الحوار الوطني” تلك فرصة أمام هذه العناصر “المتثورنة وهماً”؛ للّحاق بالقطار المصري الجامح بقوة ماضياً على طريق بناء “الدولة الجديدة”؛ بما يتوافق ومتغيرات ومفاهيم السياسة والاقتصاد في العالم الراهنة.
والمؤكد أن ما قاله “عمرو حمزاوي” ليس من نوعية “النفاق السياسوي” للنظام المصري الراهن؛ إذ أنه غير مضطر لذلك؛ ولكنه الاضطرار لـ “الاعتراف بحقائق الواقع”؛ بدلائل ما يتجلى على الأرض من ظواهر تنمية بنيوية هائلة؛ تعيد استرداد الدور المفقود لمصر خلال “عقود الانتكاب المباركي” و”الانهيار المتأخون” اللاحق لتلك المرحلة.
تصريحات “عمرو حمزاوي” تمثل “اعترافات الاضطرار” المنبنية على التعمق في قراءة المنجزات المتحققة في الواقع؛ والمتغافل عنها عمداً على سبيل النكاية السياسوية؛ والتي تعني في الواقع أمراً من اثنين:
– اغترار النخبة السياسوية المصرية المتخندقة في متوهم “سيناريوهات الربيع العبروي بالفوضى” والمؤسسة لتوجهات هدم ما تصفه بالديكتاتورية؛ من دون إدراك مخاطر وجود دولة من دون ضوابط حاكمة. وتجربة الواقع أثبتت فشل هذا الرهان في مصر العزيزة بجندها.
– إن مواصلة المعزوفة المهترئة بالهجوم على “السلطة الحاكمة” و”الجيش المصري” تعنى ضياع فرصة الاغتسال من سوءة تشويه قدرات أجهزة الوطن المحكومة بالحفاظ على حياة ومستقبل أكثر من مئة مليون مصري؛ يمكن أن يكونوا ضحايا الموت في الصحراوات والبحار هروباً من الاحترابات الداخلية؛ وضياع الأمن والأمان والبقاء في ربقة الميليشات.
وهذا ما تعنيه مبادرة “عمرو حمزاوي” وبعض العناصر الأخرى “المتثورنة” في الخارج والداخل أيضاً من دون تحديد الأسماء؛ والتي قبلت دعوة المشاركة في “الحوار الوطني” المقبل.
ولعل إدراك حمزاوي لحسابات الواقع الراسخة تؤكد سلامة الدولة المصرية وثباتها؛ لأنها تمضي في تنفيذ برامجها غير ملتفتة لتفاهات كل النخب الغوغاءوية الهاربة إلى الخارج؛ والمقيمة في رعاية أجهزة الاستخبارات الأميركية والبريطانية والتركية لتلعب بها؛ وعلى وجه التخصيص “جماعة حسن الساعاتي البناء”.
“عمرو حمزاوي” يؤكد في تصريحاته التي يحاول بها غَسْلَ دوره السابق؛ وتعرية بقايا الهاربين من المتأخونين فيقول:
** “مصر لا تصلح لها المعارضة من الخارج؛ ولكن ينفع لها أصوات ناقدة ووطنية من الداخل والخارج مع معارضة وطنية من الداخل؛ ولكن وهم المعارضة من الخارج لن يؤدي لإصلاح البلاد”. وهذا يؤكد ما يُعرف بمقولة “تفسير الماء بعد الجهد بالماء”؛ فلماذا إذن يا حمزاوي هربتم للخارج وناصبتم الدولة الوطنية المصرية العداء!!
** ويضيف: “مصر بها محاولة لصناعة انفتاح سياسي من خلال الحوار الوطني وكل مصري أو مصرية مهتم بأمر الوطن مدعو للمشاركة بالأدوات والأليات المختلفة خاصة وأن الحوار بدعوة السيد الرئيس شخصيا”.
فهل لم تدرك هذه النوعية من النخب حقيقة الواقع؛ حين قامت المؤسسة العسكريتارية المصرية بدورها لإنقاذ وطنها من “سيناريو الهدم” الذي بدأ بفوضى يناير؛ وكانت أولى خطوات الإنقاذ القيام بتطويق الجماعة البنائية الساعاتية؛ والتي توهمت أنها بالتمكن تستطيع “بناء دولة المرشد” السنية المقابلة لـ “دولة المرشد” الشيعية؛ والدخول في مراحل الاحتراب المؤجلة!!
** ويستطرد: “إنّ الطرف الوحيد المُستثنى من المشاركة في الحوار الوطني، هو كل من شارك عن طريق جماعة أو منظومة أو جماعة في ممارسة العنف أو التحريض عليه أو الدعوة إليه، فهذا الطرف لا يعترف بوجود الدولة، ويعيش في معادلة صفرية، ويحاول نزع الانتماء الديني عمن يختلف معه في الرأي”.
وبذلك يضع عمرو حمزاوي “النقاط على الحروف” باعتبار الجماعة الساعاتية مضادة لمفهوم الوطن الحقيقي؛ واستصناعاً تاريخاوياً لجهاز الاستخبارات البريطاني والذي قام بتوظيف ودعم “حسن الساعاتي البنَّاء” في تأسيس حركته.
** ويواصل: ” إن مصر بها محاولة لصناعة انفتاح سياسي من خلال الحوار الوطني، بمعنى حوار بلا خريطة مسبقة وبلا خطوط حمراء مسبقة، ولكن حول شعار هام جداً وهو الجمهورية الجديدة… حوار يساعد على بناء جمهورية تنموية عادلة قوية وجمهورية الرأي والرأي الآخر التي لا تتكئ على الماضي ولكن تصنع حاضر ومستقبل أفضل «مش بالصوت العالي وغيّر كدة.. لكن بدراسات حقيقية ومعلومات نتداولها وتشترك بها الحكومة مع الأصوات لتحسين الأوضاع المعيشية».
وهكذا هي النخبة تلعب ـ كالعادة ـ بترويج شعاراتها الفضفاضة ولكن لا بأس من منظور صناع القرار وهم ينفذون بمهارة سيناريوهات استرداد مصر قوتها المركزوية المفقودة اقتصاداً وسياسة وثقافة!!
** ويختتم: إن “هدف المعارضة الوطنية هو أن تقول إن هناك جوانب إيجابية وجوانب من التأزم يجب أن نفكر في إيجاد حلول لها؛ مع الاهتمام بالمعلومات والحقائق”. وهنا يخلط “عمرو حمزاوي” بالعمد بين الاصطلاحات التي لم يتفكر في دلالاتها؛ فإذا كانت هناك معارضة وطنية فكيف تكون هناك معارضة غير وطنية وهي ليست غير ميليشيات مستأجرة لمن يدفع حيث يسقط معنى الوطن من وجدانها ووعيها؛ فما هو توصيف حمزاوي لاصطلاح المعارضة الحقيقية؛ وما تشكيل قواها وأوزانها وصياغاتها؟
والسؤال الأساس هنا: هل تَفَكَّرَ “عمرو حمزاوي” في نسق العلل البنيوية التاريخاوية للحياة السياسوية بالمنطقة؛ وهو من النوعية التي تواصل اللطميات حول “متوهم الديموقراطية” والمحكوم بشروط بنيوية خاصة بالمنطقة؛ فضلاً عن مُخادعات الفكر السياسوي الغربي تجاه هذه القضية؛ إذ تتمكن العلل نفسها من المجتمعات الغربية التي تُسوق نخبها الحاكمة بالمخادعة متوهم الديموقراطية للمنطقة؛ مع التغافل عن حقيقة “التوحش الرأسمالوي” الحاكم لهذه الدول؛ وصياغته لنمط الديموقراطية الخاصة به. إذ لا يزال هناك في “الغرب الديموقراطي” فقراء ينامون على الأرصفة؛ ويجمعون البنسات؛ وكذلك متعطلون نتيجة عدم وجود فرص للعمل… إلخ.
إن الدعوة للحوار الوطني التي بادر “عمرو حمزاوي” وأشباهه بالقبول بها؛ وتلبيتها قد تُرضي أجهزة الدولة المصرية وهي تسعي لجمع الكلمة بأمل أن تؤدي النخبة الواعية دورها المفترض بالتوعية تجاه تحقق منجز “الجمهورية الجديدة” في التنمية والاقتصاد والسياسة في ضوء ارتباطها بنهج العولمة الجديدة لتكون مصر مركزاً مهماً في هذه المعادلة بقدراتها العديدة.
لذلك فإن مقولة عمرو حمزاوي: “المعارضة من الخارج وهم”… عبارة في حقيقتها تُقَرِّر المُقرَّر وتؤكده… حتى وإن توهمت “نخبة الغبراء” غير ذلك!!