منوعات

أشرف عبدالشافى يكتب : ودع هواك!!

لم تكذب “أم أحمد” الخبر، فبعد أن وشوشت زوجها وهو يضع القطرة الزرقاء في عينيه قبل النوم، طلبت من المعلم “زخاري” في التليفون أن ينتظرها بعد العصر ومعه “ظريف وخليل وعماد “.

وقبل الموعد وضعت شالها الأسود علي رأسها وألقت نظرة سريعة علي كحل عينيها في المرآة، وتوجهت إلي الوكالة.

وقبل أن تُنهي العناب المثلج، نظرت في عيني عماد المرتبك أصلا منذ زيارة المعلم “زخاري” نظرة خبيثة لا تخلو من شماتة، راح بعدها في كابوس ثقيل وهي تواصل كلامها رافعة حاجبها الأيمن ومرتدية عباءة الحكمة “:مجد سيدك يا معلم زخاري” وقفزت عيون خليل وظريف في ترقب وأم أحمد تواصل :
” انتو مش غُرب علي بعض، والواحد فيكو يشيل صاحبه قبل أخوه، وعماد متربي مع أحمد ابني وغلاوته من غلاوة أحمد، وبصراحة كده ومن غير لف ودوران عشان تشوفوا مصالحكو، فيه مشاكل بين عماد وسوسن، وما تآخذنيش يا معلم زخاري الحاجات دي مافيهاش كسوف، وبنت الناس معذورة وقصدتني، وما تزعلش مني يا عماد يا ابني الواحدة لازم تكون مبسوطة مع راجلها”.

ولم تكتف “ام أحمد” بكل هذا الكلام واعتبرته مجرد تلميح، فتحولت إلي ملاكم شرس وجه ضربة قاضية إلي أنف خصمه، ثم راح يكيل له الركلات واللكمات : “وبعدين يامعلمين وانتو سيد العارفين “الشئ ده ” يخرب البيوت، ودي لامؤاخذة هتكون عشرة ليوم الدين، يبقي احنا نلم الموضوع ونشوف شيخ ولاغيره.. ويا ما ناس ربنا بياخد بيدها ياعماد ياابني”.

بكي عماد بحرقة بعد زواجه بأسبوعين من سوسن في مشهد درامي مؤثر وهو يُقبل جسدها الطري من كتفيها حتي قدميها، وشهق كطفل “معلهش ياسوسن سامحيني مش بإيدي.. صدقيني” ،وتعاطفت الزوجة الصغيرة مع طفلها المدلل ونسيت انقباضاتها وانبساطاتها ومسحت دموعه بحنان :”ولايهمك ياحبيبي، الموضوع ده مش كل حاجة”.

وهو نفس المشهد الذي ظل عماد حريصا علي تأديته وتجديده من حين لآخر بالقبلات والبكاء والهدايا لدرجة وثق معها أن زوجته لن تكشف سره ” لا.. لا.. سوسن ما تعملهاش أبدا”، وبهذه الطريقة كان يطرد أفكاره الشيطانية، ويطمئن، ويعود إليها محملا بكل ما تشتهي، ينام علي فخذيها آخر الليل، وتلمع عيناه بدموع حب فياض وهو يحدق في عينيها العسليتين ، لكنه لم يفكر مرة في ذلك المارد النائم تحتها الذي أعلن ثورته بعد سبعة أشهر علي زواجهما.

تعري عماد تماما في الوكالة كلها، فلاشك أن قصته المثيرة الشيقة تناقلت من أذن إلي أخري، وربما أصبحت مدعاة للفخر والتباهي بالنسبة لظريف وخليل وزخاري أمام زوجاتهم، سيحاولون إظهار تعاطفهم معه والحقيقة أنهم شامتون وسعداء لأنه منحهم ما يتفاخرون به .

دارت به الأرض كثيرا ،دخل في صفقات ناجحة وأخري فاشلة، تعرض للنصب والمؤامرات، رأي بعينيه “الغرغرينا” تأكل ساقي والده وهو يضرب رأسه حسرة وألما بحرف السرير في مستشفي الراعي الصالح، لكن كل هذا يمضي، وتظل مأساته مع “سوسن” حية نابضة، مستيقظة لاتمضي ولاتنام، ولم يضع يده مرة في يد رجل أو طفل قريب أو بعيد إلا ورأي تلك المأساة أو الفضيحة في عينيه، وفي لمسة يديه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى