منوعات

د. صابر أبوحامد يكتب :  زمن الأقدام لا الأقلام

في زمني أرى الناس لا يجدون ما ينفقون ، وفي الوقت نفسه أرى لغة التعامل مع اللاعبين والمشخصاتية هي الألف والمليون.

وغالبا تكون العملة بين هؤلاء القوم الدولار ، أو اليورو ، أو الاسترليني .

وإن نسيت فلا ـ ولن ـ أنسى قول أحد المشخصاتية على خشبة المسرح :
العلم لا يُكَيّل بالبتنجان (الباذنجان)

وأتذكر الكاتب ، والأديب “توفيق الحكيم” عندما قرأ أن أحد لاعبي كرة القدم وهو دون العشرين قد دفعوا له ثلاثة ملايين جنيه ، فقال :
“‏لقد انتهى عصر القلم وبدأ عصر القدم

يأخذ اللاعب في سنة واحدة ما لا يأخذه كل أدباء مصر من أيام أخناتون حتى الآن”
وعقب الكاتب ، والصحفي “أنيس منصور” على هذا بقوله :
“أذهله أن يكسب (عيل بجزمته) ثلاثة ملايين ، ولم يَعِشْ ليرى (عيلا) آخر يشترونه بما يعادل ٥٠٠ مليون جنيه مصري”

وأقول : ماذا لو رأى “الحكيم” اللاعب كيليان مبابي ، أو ليونيل ميسي ، أو كريستيانو رونالدو ، أو (مو) صلاح ؟
وماذا لو بلغه أن دخل مغني الراب الأمريكي “شون كومبس” سيصل إلى مائة وثلاثين مليون دولار سنويا
وأن ثروة محمد رمضان ستبلغ اثني عشر مليون دولار خلاف ممتلكاته العينية
من قصور ، وفيلل ، وأسطول سيارات لم نَرَ ، أو نسمع عن موديلاتها ؟

أيها البشر :
نحن من يصنع هؤلاء ، ونحن من يمولهم .
فلا حديث ، ولا منشور ، ولا تعليق لأغلبنا إلا عن هؤلاء ، وأخبارهم .
ووصل الأمر إلى تحويل الحب ، والبغض في الله ، إلى حب ، وبغض ، ومعارك في هؤلاء ، والانصراف عن آلام الأمة إلى معارك ، وعداوات من أجلهم .

حفرناهم في الذاكرة لنصير في القاع ليطمسوا سيرة سلفنا الذين بفضلهم أعزنا الله ، فصرنا عالة رعاعا بعد أن كنا سادة الدنيا وقادتها .

يا قوم :
ما نحن فيه مخطط قديم ، ومدروس دراسة جادة متأنية ، فهذه شكوى رجل متوفَّى سنة ٣٩٥هـ (الموافقة ١٠٠٥م) ، وهو “أبو هلال العسكري” وهو إمام عصره ، وصاحب المؤلفات التي تجاوزت العشرين في معارف مختلفة كاللغة والأدب والتاريخ والحديث والتفسير .

سخره الله ـ تعالى ـ هو وأمثاله لصون هوية الأمة ولغتها من التيه ، والضياع بين شعوب البلاد الأعجمية التي فتحها المسلمون

ومع ذلك جلس في السوق رَثَّ الثياب ـ مع أنه يبيع أفخمها ـ ليحصّل قوته في الوقت الذي رأى فيه الجهلاء يأكلون ويتمتعون ، فدفعه تناقض الأحوال بين غزارة علمه ، وسوء فقره إلى الرثاء على حاله ، والسخط على أولئك الذين يرفعون شأن الجهلاء ويضعون من قدر العلماء ، فقال :

جُلوسِيَ في سوقٍ أَبيعُ وَأَشتَري
دَلــيـلٌ عَـلـى أَنَّ الأَنــامَ قُـرودُ
وَلا خَيرَ في قَومٍ تُذَلُّ كِرامُهُم
وَيَعظُـمُ فيـهِم نَذلُـهُمُ وَيَسـودُ
وَيَهجوهُمُ عَنّي رَثاثَةُ كِسوَتي
هِجـاءً قَبيـحًا مـا عَلَيهِ مَـزيـدُ

وفي الختام لا أملك إلا أن أشكو لله ـ تعالى ـ كل من شجع اللعب واللهو ، فشغله ذلك عن دينه وهموم أمته .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى