منوعات

محمد عطية يكتب : حمزة بخير!

يسعل الأسطى حمزة ويداه تتشبث برأس الكرسي في الأوتوبيس المتأرجح متمتما “خير الله أما اجعله خير”.

يعرف أنه لو سقط ميتا الآن سيدخل جنات النعيم ..أليس في مهمة لإنقاذ آخرين .

في روض الفرج – على بعد محطتين- تنتظره شقة غارقة حتى مستوى نصف الساق في الماء.. الوصلة المركبة بخلاط المياه انفجرت وكل ماكان مستقرا على بلاط الغرف يمكن اعتباره حاليا من جملة الطافيات العائمات .

تتنحب أم رؤوف عبر الهاتف” انت فين يا أسطى حمزة.. البتاعة اللي ركبتهالي من شهرين ضربت”.. أسمع صوت الحج زوجها بجانبها -وهو متقاعد حديث بعد خدمته لزمان في وزارة الآثار -يهمس لها خائفا “براحة ع الراجل احنا محتاجينه”.

اقترب من شقتهم وأنا شديد الإعجاب بجبن الحج أمام المدام وواثقا أنه سيكون مؤازرا لي إذا ما كانت نية زوجته التشاجر معي وصب جام غصبها واتهامي بما لا يليق.

اقترب وأنا أشد إعجابا وتباهيا بإتقاني فن كسب لقمة العيش.. لا يحتاج الأمر إلا شراء محبس/ مضخة /ماسورة/ كوع/بيبة/ وصلة ستهلك بعد شهرين على الأكثر .. هذا يعني أن هاتفي سيصلصل بشكل دوري.. “انت فين يا ريس حمزة؟” ويجئ حمزة ويشتري حمزة قطعة غيار جديدة مبديا استياءه من القطعة الأقدم “خلاص مابقاش فيه أمانة وذمة زي زمان..المحلات بقت كلها حرامية والعياذ بالله”.

لا شك أن هناك زبائن أذكياء عالمين بحيل حرفيين مثلي، لكن ماذا تصنع أياديهم وهم في معمعة الكارثة والطفح بكل زاوية والأرض مستنقع مذري يزكم الأنوف. هنا يظهر البطل.. المخلص..عم حمزة الطيب بأدواته السحرية الناجعة.. هنا يشاء القدر رزقا حلالا جديدا. تسخرون من الصفة “حلال”. أحاججكم وأرد عليكم “أي زبون من اللي بروحلهم بياخد مرتب أو معاش بشئ وشويات..ايه المشكلة لما ينوبنا من الحب جانب..ولا وقعنا من قعر القفا .. ولا أنا ابن البطة السودا؟ ولا إيه”

اتقاضى ثمن بطولاتي مبسملا حامدا الله على عطاياه وأتغاضى عن أي سب دين ألحظه بقلبي داخل أفواههم على أطراف ألسنتهم -حين الدفع- دون أن ينطقوه. سيحتاجونني بعد شهرين فلماذا قلة الأدب والقيمة؟ اعتقد لا ضرورة لذلك.

في مترو الأنفاق تنبه الإذاعة الداخلية “برجاء الحرص على ممتلكاتكم أثناء مغادرة القطار” أثبت كفا على حقيبة المعدات وكفا على محفظتي الجلدية الملآى والمنتفخة بآيات الكرسي والمعوذتين وأحاديث نبوية تحفظني من شر الطريق وأشراره. لا أخشى إلا شياطين الإنس أما الجن فأدعيتي التي حفظتها عن ظهر قلب منذ الصف الثاني الابتدائي كفيلة بإبعادهم.

لهذا يدعونني في شارع مصطفى عنبة حيث أسكن “الشيخ حمزة” .كنت وسأظل وعاهدت الله أن أظل نبراسا لكل ضائع يفقد إيمانه ..ومريحا لكل نفس ضاقت بالحياة ذرعا .

رغم هذا لا يتوقف إبليس اللئيم عن اختباري ووضعي على المحك..بان هذا وتأكد لما سرق زنديق محفظتي ونصف معداتي -في طلعة رجب الماضي- حين غفوت قليلا في “مشوار شغل” بالزمالك.. هل بكيت؟ هل فقدت ثقتي بالرحمن؟ حاشا لله العزيز المقتدر.

حدثني قلبي أن العوض قادم وحدث. في شقة الزمالك المذكورة تم تركيب 5 محابس ودشين اثنين وبيبة واحدة وصندوق صرف ماء”كومبينشن” بمحتوياته وشطاف كلها تنتهي صلاحيتها بعد أسابيع. ما أشد نعمك يا إلهي ..بحسبة بسيطة بعد عام “هخرج من الشغلانة دي أقله بعشرين ألف جنيه” وإذا احتجنا أكثر بدلنا القديمة بغيرها أكثر رداءة .. “التجارة شطارة واخد الحق حرفة ولا إيه؟”..

بقي ان أطمأنكم على عمكم حمزة.. تعلمت ألا أنعس مجددا بوسائل المواصلات. اتقاءا للسرقات ومقالب النشالين.. أتشبث بممتلكاتي جيدا . “ولاد الحرام مخلوش لولاد الحلال حاجة..ولا إيه؟”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى