رغم ارتفاع أسعاره إلى مستويات أعتبرها قياسية ، إلا أن هذا المعدن الأصفر “الذهب” البراق لا يزال يعتبره الكثيرون أفضل الملاذات الآمنة، فالبعض منهم استفاد من صعود أسعاره خلال الفترة الماضية ، إلا أن التذبذبات التي شهدتها أسعار هذا المعدن النفيس خلال الأيام السابقة وما نتج عنها من انخفاض سعر الذهب نجد أنها قد أضرت بالعديد من المستثمرين الجدد أو بالأحرى قليلي الخبرة، وذلك أرجعه لعدة أسباب ، أولها يتمثل في إعلان مجلس الوزراء عن مبادرة تسهل جلب المصريين بالخارج كمية من الذهب حال عودتهم إلى مصر تقدر بنحو 150 جرام و بدون جمارك ،وهذا من شأنه إحداث نوعًا من زيادة نسبة المعروض في الذهب ، وبالتالي يقل الطلب ، أما السبب الثاني فهو إعلان البورصة المصرية عن صندوق الاستثمار في الذهب وبالتالي فإن هذا الإعلان من شأنه يحدث تراجعًا في أسعار الذهب بالسوق المصري لأن هذا الموضوع يتيح لجميع الفئات الاستثمار في الذهب من خلال شراء أسهم في البورصة وبأقل الأسعار الأمر الذي يجعل التداول على الذهب والاستثمار فيه متاحًا أمام الجميع .
ولعل المهتمين بالاستثمار في الذهب وكذلك المقبلين على الزواج تتمحورجل اهتماماتهم فيمتابعة سعر الذهب ، لحاجتهم الملحة لمعرفة التوقيت المناسب إما لشراء أو بيع السبائك الذهبية التي باتت الأكثر طلبًا في السوق المصري والتي بلغت نسبة شراؤها من قبل المصريون بحسب إحدى الإحصائيات 8 طن ،ما جعلت مصر تتصدر المرتبة الخامسة عالميًا على مستوى العالم، خاصة مع ارتفاع أسعار الذهب مؤخرًا والتي تجاوزت أسعار الجرام الواحد من عيار 21 حاجز 2800 جنيه في وقت سابق ، ما جعل شراء شبكة العروسة ليس بالأمر الهين .
وإذا ما بحثنا عن التساؤل الأبرز لدى المستثمرين في الذهب فنجد أنه يتمحور حول من المسئول عن تسعير الذهب في مصر؟! ولعل التساؤل عن هذا الأمر جاء بعدما أعلنت غرفة تجارة الذهب عدم مسئوليتها عن التسعير .. لذا سوف أقدم لكم معلومات هامة وإجابة وافية عن هذا التساؤل الهام الذي قد يكون محيرًا للكثيرين.!
إذا ما تحدثنا عن أهم المتعاملون بالذهب والفئات قريبي الصلة بالمعدن النفيس، نجد أنهم خمس فئات والمتمثلون في كل من: الزبون “المستهلك” ، البائع “صاحب محل التجزئة” ، الأبونيه “مندوب الشركة”، تاجر الجملة ، المسوأجي
وفي حال تعريف الفئات الخمسة التي ذكرتها سلفًا نجد أنهم المهيمنون على سوق الذهب المصري ، ونبدأ بالزبون وهو المستهلك الذي يذهب لشراء الذهب حال توافر المال اللازم لإتمام عملية الشراء ، ولايقوم بشراء الذهب الا في حالة الرخاء، كما يعرف بائع الذهب على أنه كل من لديه الاستطاعة بشراء كمية من الذهب بحيث يستطيع عرضها في محله أو معرضه مستهدفًا بذلك المعروض جذب الزبائن ولفت أنظارهم من أجل اتمام عمليات بيع أوشراء الذهب ، ويوجد تصنيفان لبائعي الذهب وهما إما أنه صاحب المحل، أو مايطلق عليه اسم “الخواجة” أو “الجواهرجي” أما الآخر فهو مايطلق عليه اسم صاحب “الشنطة”، فالأخير هو الشخص الذي يتردد على القرى والأرياف بحقيبة تحتوي على كمية من الجرامات تسمى “وزنة” وتكون أقل من كمية الذهب المعروض في محل البائع بالاضافة الى احتواءئها على ميزان وبضع آلات تمكنه من ارتداء السيدات للذهب وتحديدًا “الحلق” وغيره من الأنواع الأخرى ، أما اذا ما تطرقنا إلى تعريف “الأبونيه “فهو التاجر نصف الجملة أو المندوب المتعاقد مع احدى شركات المستوردة أو المصنعة للذهب ويتردد على العديد من أصحاب المحال وأصحاب الشنطة ليبيع لهم كميات من الذهب مقابل مصنعية يسمونها “أجرة” إضافة إلى مقايضة كمية من الذهب القديم أو المستعمل ويطلقون على هذا الذهب اسم “الكسر” لاستبداله بالذهب الجديد بمختلف عياراته وأنواعه ويتم تسديد كميات المشغولات الذهبية في نفس الوقت أو على مدار أسابيع بواقع الدفتر الذي يدون فيه كلا الطرفان حساباتهما المتعلقة ببيع أو شراء أو استبدال الذهب، أما تاجر الجملة فهو المستورد للذهب من الخارج ويكون في كثير من الأحيان إما صاحب شركة أو مشتري للذهب عبارة عن سبائك ويحولها من خلال ورشته أو مصنعه إلى مشغولات ذهبية بمختلف أنواعها”خواتم ،غوايش،أساور،دبل،حلقان أو أقراط،سلاسل، دلاياتأو قلوب السلسة”.
وأخيرًا نذهب لنتعرف على الفئة التي تقف عندها الأسرار وتحوم حولها الحكايات والتساؤلات وهي فئة “المسوأجية” بلغة السوق وهي الفئة الأكثر غموضًا في معادلة الذهب حيث يعتبر الواحد منهم إمبراطورًا للذهب، ذلك لأنهم المتحكمون في أكبر الكميات من أرصدة الذهب في مصر ، ومعروف عنهم أن عدد هؤلاء الأشخاص لايتجاوز أصابع اليد الواحدة ، فهم خمسة “مسوأجية” وطبيعة عملهم بأنهم يستقبلون كميات الذهب المستعمل “الكسر” من جميع أنحاء الجمهورية سواء من مندوبين الشركات “الأبوناتية” أو تجار الجملة ويحولون هذا الذهب بعد صهره إلى سبائك ذهبية، ويحتفظون به كرصيد يتوقف عليه سعر الذهب وتثمينه في الوقت الذي يجدونه مناسبًا نظرًا لطبيعة سوق الذهب وحالة التداول، ليبقى هؤلاء هم حيتان السوق أصحاب هذه الإمبراطورية التي تحتاج طبيعة عملهم في أحيان كثيرة إلى تقنين ومراقبة جادة من الدولة، ذلك لأن هذا المعدن الأصفر الذي يصفه المصريون بأنه الزينة والخزينة يتم تسعيره بأعلى من السوق العالمي بما يقارب الـ50دولار أمريكي، وهذا ما لا يقبله عقل ولا منطق ، إلا أن السوق المصري نجده أحد أغرب الأسواق على مستوى العالم حيث أصبح في ظل تصاعد وتيرة الأزمة الاقتصادية العلمية وأمام الإجراءات التي تقوم بها الحكومة لكبح جماح الأسعار المتباينة للحيلولة من حالة إنفلات لا تحمدعواقبها ، إلا أن السوق المصري كونه من الأسواق الحرة ، إلا أنه ومع هذه المعطيات نجده يستوعب الزيادات في الأسعار ، الأمر الذي يستوجب من الدولة تشديد الرقابة على السوق ، أو اتباع طرق التسعير الإجباري في ظل هذه الأسعار التي قد تنفلت ويصعب السيطرة عليها.
ومع هذا الكم من المعلومات حول سوق الذهب و المتعاملون بهذا المعدن النفيس يبقى التساؤل الأهم في هذه المقالة .. إلى متى تستمر آلية تسعير الذهب في مصر تحت تصرف المسوأجية؟!