الباحث ليس سارقًا أو قاطع طريق أو قاتلا ، وليس من أرباب الجرائم ، وكتب التاريخ ملأى بجرائم ارتكبها فقهاء وعلماء وقضاة وخلفاء وسلاطين وولاة ، بحيث مارسوا شرورًا وفسادًا ، واستبدادًا ومكرًا وعزلا وخديعة لا تكفيها صفحات ، حيث رأينا كيف يقتل الخليفة ابنه أو يقتل الابن أباه لكونه طامعًا في الحكم أو لأن الأب ” خطف ” جارية ابنه وضمَّها إلى حظيرة محظياته وجواريه .
هل لو قلتُ إن عمر بن الخطاب قد حبس الشَّاعر الحُطيئة لأنه هجا الزبرقان بن بدر أسجن ؟
هل لو قلتُ إن علي بن أبي طالب هو أول من ابتكر السُّجون في تاريخ الإسلام أُسجن ؟
هل لو قلتُ إن سعد بن أبي وقاص قد وضع أبا محجن الثقفي في القيد وحبسه ، أكون من الذين أهانوا صحابيًّا ، هو أحد العشرة المبشرين بالجنة ، وهو من أخوال النبي، وأحد ستة هم من أصحاب الشورى الذين اختارهم عمر بن الخطاب ليشاركوا في اختيار الخليفة من بعده ؟
وهل لو قلتُ إن الخليفة المتوكل قد حبس الشَّاعر علي بن الجهم ، أكون قد أذنبت ، ونلت منه كرمز ؟
وهل لو قلت إن أغلب الخلفاء المسلمين في العهود والعصور الإسلامية قد قتلوا وحبسوا وعذبوا وضربوا بالأسواط وجَلدوا وصَلبوا وضربوا الأعناق ، ونتفوا لِحى المساجين ، وشهَّروا بمخالفيهم ، وجرَّسوا من خرج إلى إجماعهم ، وبالغوا في الأذى وألوان العذاب وأصنافه ، أكون قد انتقصت منهم باعتبارهم رموزًا وشخصيات تاريخية وأدخل السجن ؟
وهل لو أثبت أنا الباحث قول تقي الدين المقريزي (764 – 845 هـجرية / 1364 – 1442ميلادية ) هنا : ( ثم لمَّا كان يوم الجمعة تاسع شهر ربيع الآخر سنة إحدى وعشرين وسبعمائة هدمت كنائس أرض مصرفي ساعة واحدة ) ، هل يكون نصيبي التغريم والسَّجن ، وأنني من مثيري الفتن ، رغم أن ما كتبه في كتابه ” المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار” متواتر ومتداول في أكثرالمراجع التي كتبها مؤرخون مسلمون ؟