ارتفعت أسعار الذهب إلى مستوى تاريخي هذا الأسبوع، وبلغ سعره 2179 دولار للأونصة أمس السبت، مما جعل قيمته ترتفع بنسبة تقدر بـ 7 في المئة خلال فترة لا تزيد عن 30 يوما.
يقول الخبير الاقتصادي عامر الشوبكي، لبي بي سي، إن المخاطر الجيوسياسية الراهنة، مع استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا والحرب الدائرة في الشرق الأوسط، والتخفيض المتوقع لأسعار الفائدة على الدولار في الولايات المتحدة، أثرت جميعها على سعر الذهب الذي وصل إلى مستويات هي الأعلى تاريخيا.
ويضيف: “فيما يتعلق بالتوترات في الشرق الأوسط، عادةً ما تدفع هذه الظروف المستثمرين الى شراء الذهب كوسيلة آمنة للتحوط”.
ويؤكد الخبير الاقتصادي أن التوقعات بتخفيض البنك الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة كان لها “التأثير الأكبر على سعر الذهب، إذ إن العلاقة بينهما عكسية تاريخياً. فعند رفع أسعار الفائدة، ترتفع قيمة العملة الأمريكية، ويؤثر ذلك سلباً على سعر الذهب فينخفض، والعكس صحيح”.
ويفسر الشوبكي أن “ما نراه الآن من نية لدى الفيدرالي الأمريكي بالبدء في تخفيض أسعار الفائدة خلال الأشهر القليلة المقبلة، مع البيانات الاقتصادية الضعيفة في الولايات المتحدة مؤخراً، يشير الى انخفاض في قيمة الدولار، وبالتالي الى ارتفاع في قيمة الذهب”.
وبالإضافة للمركزي الأمريكي، ينوي المركزي الأوروبي أيضاً بحسب الشوبكي، تخفيض أسعار الفائدة في يونيو/حزيران المقبل.
ويشير الشوبكي الى أن “نية البنوك المركزية العالمية بالتحوط إضافياً بالذهب، تؤثر بدورها على سعره”.
ويقول إن العديد من البنوك المركزية حول العالم تعبر حالياً عن نيتها شراء كميات أكبر من الذهب، “منها المركزي الصيني، نتيجة للعوامل التي ذكرتها سابقاً واحتمالية انخفاض سعر الدولار”.
لماذا يعتبر الذهب سلعة مهمة؟
يقول الشوبكي لبي بي سي، إن كيفية قياس سعر الذهب، وهو سلعة “غير مستهلكة”، يختلف عن ذلك المتعلق بسلع أخرى.
ويضيف: “سلعة الذهب تختلف مثلاً عن النفط، إذ إنه عندما يتم انتاج 100 مليون برميل من النفط يومياً، يتم استهلاك هذه الكمية. لكن الذهب يُعد مخزونا ولا يستهلك، بل يتم الاحتفاظ به لدى الناس”.
ويتابع: “يُقدر المخزون العالمي من الذهب اليوم بـ 230 ألف طن، فيما يقدر الانتاج العالمي من الذهب سنوياً بـ 3 آلاف طن. وبالتالي، من يؤثر على سعر الذهب هو من يمتلكه وليس من ينتجه”.
ويقول: “لذلك، لا تعتمد أسعار الذهب كثيراً على مستوى الإنتاج، كما يحدث في السلع الأخرى، بل تعتمد أكثر على مشاعر مالكي الذهب في العالم، سواء تجاه المخاطر الجيوسياسية التي تحث على الاستحواذ على سلعة آمنة مثل الذهب، أو على الاتجاهات الأخرى مثل التحوط بالذهب بسبب التضخم الاقتصادي”.
ويشير الى أن مواطني العديد من الدول التي يضربها التضخم الاقتصادي، مثل مصر حالياً، يلجؤون الى التحوط بالذهب، بدلاً من العملات الورقية، خوفاً من خسارة أموالهم لقيمتها.
ويضيف أن ذلك “يفسر أيضاً اختلاف أسعار الذهب من دولة الى أخرى بحسب متغيرات، منها معدلات التضخم على وجه الخصوص”.
ولجأ كثيرون في بلدان عربية شهدت مؤخراً مطبات اقتصادية وانخفاض في سعر عملتها المحلية، كلبنان ومصر على سبيل المثال، الى التحوط بالذهب.
ويقول الشوبكي: “لم تعد سلعة الذهب في الدول العربية كما كانت في الماضي، مجرد حلي ومجوهرات تتزين بها المرأة كأمر ثانوي، بل أصبحت بالنسبة للأسرة العربية سلعة ضرورية للتحوط”.
ويضيف أن مقدمي النصائح المتعلقة بالاستثمار “دائماً ما ينصحون بوجود حصة لا تقل عن 20 في المئة من المحفظة الاستثمارية للذهب، وقد ترتفع هذه النسبة في الظروف الحالية الى 40 أو 50 في المئة”.
هل ستظل أسعار الذهب آخذة في الارتفاع؟
يقول الشوبكي إن جميع التوقعات تشير الى ارتفاع إضافي في أسعار الذهب في المرحلة المقبلة على المديين القصير والطويل، ويضيف أن الاختلافات الموجودة تتعلق فقط بمدى ارتفاع أسعار الذهب في العقود الآجلة وفي المستقبل القريب.
ويقول إن التركيز يجب أن ينصب على “احتمالية حدوث تخفيضات على أسعار الفائدة من قبل الفيدرالي الامريكي وإذا ما حدثت هذه التخفيضات الثلاثة المنتظرة، فهذا بالتأكيد سيرفع سعر الذهب الى حدود 2300 دولار للأونصة”.
ويشير إلى أن “هناك من يتوقع مكاسب أكبر لسعر الذهب ليصل إلى 3 آلاف دولار للأونصة، إذا ما قررت بنوك مركزية حول العالم، استبدال احتياطاتها من الدولار باحتياطات إضافية من الذهب بشكل كبير”، ويعطي كل من البنك المركزي الصيني والهندي والتركي، بالإضافة الى بنوك أخرى مثالاً على ذلك.
ويقول الخبير الاقتصادي رامي كيوان لبي بي سي، إنه يتوقع على المدى الطويل، ارتفاعاً إضافياً لأسعار الذهب، وذلك لسببين أساسيين.
ويوضح قائلا: “السبب الأول يتعلق بانخفاض كل من عمليات الاستكشاف والإنتاج، مما يؤدي إلى تقليل العرض”.
ويشير كيوان الى أن البحث الذي أجرته شركة “مين إكس” الاستشارية، أفاد بانخفاض النفقات المتعلقة بأنشطة اكتشاف الذهب، بنسبة 63 في المئة لتصل إلى 4.44 مليار دولار في عام 2019 من أعلى مستوى لها على الإطلاق وهو 11.8 مليار دولار في عام 2012.
ويقول إن أحد أسباب هذا الانخفاض في الانتاج، يعود الى “اهتمام شركات تنقيب عدة بالتحول من إنتاج الذهب أو تقليصه إلى حد كبير، مقابل الاهتمام بالتنقيب وإنتاج معادن أخرى تعتبر أساسية في عملية التحول الأخضر للحد من تغير المناخ، كالنيكل والليثيوم والكوبالت وغيرها من المعادن التي تدخل في عمليات إنتاج التقنيات الصديقة للبيئة”.
ويضيف كيوان أن إنتاج المناجم من الذهب لم ينمو سوى بنسبة 1 في المئة خلال عام 2022، بحسب مجلس الذهب العالمي.
أما السبب الثاني والمتعلق بناحية الطلب، فيقول كيوان إن “المشتريات الرئيسية من الذهب كانت من البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم”.
ويعتبر أن “ما تشير إليه هذه الديناميكيات هو أن اتجاه أسعار الذهب من المرجح جداً أن يكون تصاعدياً على المديين المتوسط والطويل، بغض النظر عن التقلبات التي قد تطرأ عليه على المدى القصير”.
ويضيف أن “صافي مشتريات البنوك المركزية من الذهب بلغ 1037 طناً في عام 2023. وكان هذا هو العام الثاني على التوالي الذي تضيف فيه البنوك المركزية أكثر من 1000 طن إلى إجمالي احتياطياتها”.
ويقول: “لا أتوقع أن يعكسوا مسارهم هذا في أي وقت قريب، خصوصاً مع محاولة بعض الدول من التقليل من اعتمادها على الدولار الأمريكي”.
للمزيد : تابعنا موقع التعمير ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك التعمير