أسواق وأعمال

التفاصيل الكاملة لأزمة “السكر والعسل الأسود” فى المنيا

شهدت محافظة المنيا حالة شديدة من الجدل، بعد إعلان مصنع سكر أبوقرقاص التوقف عن الإنتاج من القصب السكر، وهو ما برره المزارعون بتدنى سعر التوريد الذى لا يعادل نصف تكلفة الزراعة، مقابل عروض سعرية تزيد إلى الضعف من عصارات العسل الأسود، وألقى بعضهم باللوم على شركة السكر والصناعات التكاملية.

وأعلنت محافظة المنيا أن شركة السكر ستقوم بتوريد محصول القصب المتعاقد عليه لمصانع سكر جرجا بمحافظة سوهاج، بدلا من المنيا، مع تحمل مصنع أبوقرقاص تحمل تكلفة النقل.
وقال عاشور عبدالمنعم، أحد مزارعى قصب السكر فى مركز ملوى، إن 2024، هو عام الكوارث على مزارعى القصب، بسبب تدنى سعر التوريد إلى 1500 جنيه، أى نصف تكلفة الزراعة والنقل وزيادة أجور العمالة، وفى المقابل يعرض عليه 2500 جنيه من أصحاب العصارات لإنتاج العسل الأسود أو العوادين لتوزيعه عصارات القصب، مضيفا أن تكلفة زراعة فدان القصب تبلغ 31 ألف جنيه، عبارة عن 3 آلاف جنيه مياه رى، و3 آلاف جنيه أسمدة، و6 آلاف جنيه تكاليف نقل وجمع، فضلا عن 12 ألف جنيه فى حال إضافة قيمة الإيجار.

وقال يوسف أبو زيد أحمد، رئيس الجمعية المشتركة بمركز ديرمواس، إن مزارعى قصب السكر بمراكز جنوب المنيا، يواجه عدة مشاكل تتمثل فى عدم توفير الأسمدة الأزوتية والتى تقدر بـ 12 شيكارة سماد يوريا، أو 18 شيكارة نترات للفدان الواحد بمبلغ 265 جنيها فى الجمعية الزراعية، كما أن جمعيات مديرية الزراعة لم تورد إلا 20% من الكمية اللازمة، مما تسببت فى إضافة تكاليف باهظة لشراء الأسمدة من السوق السوداء بأضعاف السعر المحدد، وكذلك تقليص إنتاجية الفدان، بعدما تقاعس المزارعون عن شراء الأسمدة الأزوتية المطلوبة.

وأضاف سعيد محمد منصور، أحد مزارعى القصب فى ملوى، أن «الخراب المستعجل» والذى حل بمزارعى القصب الذين تعاقدوا مع المصنع أبو قرقاص، تمثل فى ارتفاع تكلفة نقل طن القصب بواقع 200 جنيه للطن، بالإضافة للخصومات العشوائية غير المفهومة من مصنع السكر تحت بند الشوائب والأوزان، والتى قد تصل لخصم 30% من حساب الطن، مما دفع معظم المزارعين للبحث عن بديل للمصنع.
وطالب سيد محمد إبراهيم، مزارع وعضو مجلس إدارة جمعية منتجى المحاصيل السكرية بالمنيا، برفع سعر توريد طن القصب إلى 2500 جنيه، حتى يتمكن المزارع المنياوى من سداد ديونه، والتى تصل لما يقرب من 30 ألف جنيه للفدان، بعد الارتفاع الكبير فى أسعار المبيدات والأسمدة والعمالة، مناشدًا المسئولين بمديرية الزراعة بتوفير الأسمدة الأزوتية اللازمة لزراعة القصب، حتى يحقق زراعة الفدان الإنتاجية العالية.

وأكد بهير محمد محمد، أحد المزارعين فى مركز ملوى، أن ما وصلنا إليه متعمد فقد حدد مزارعو القصب مطالبهم منذ بداية العام وقبل بدء الموسم بزيادة السعر إلى 2000 على الأقل، والمساهمة فى نقل المحصول بالنصف على الأقل، وتوفير السماد، والنظر إلى موضوع الشوائب نظرة جدية لأن هناك «مافيا» فى هذا الأمر، وتخصيص حصة ولو قليلة للمزارع من السكر إن احتاج إليها، وعدم تأخير التحويلات أكثر من 15 يوما من التوريد.

وأضاف المزارع، أن مطالبنا بسيطة ومن الممكن أن تتحقق بكل سهولة «إذا كان قلبكم على هذا البلد» خاصة أن الفلاح بدأ يقلع عن زراعة القصب، مؤكدا أن الأزمة كاملة تتحملها شركة السكر.

وقد وصف محمد مصطفى، عضو مجلس النواب عن دائرة مركز ملوى وعضو لجنة الإدارة المحلية، ما حدث هذا الموسم بالكارثة، مؤكدا أنه سيتقدم بطلب إحاطة لوزير التموين فيما يخص أزمة توقف مصنع أبو قرقاص، «فأنا أحد مزارعى القصب، وسبق وأن تحدثت مع عصام البديوى رئيس شركة السكر لزيادة السعر ولم تتم الاستجابة لنا، وهذا أمر مؤسف، خاصة إذا كانت تكلفة زراعة فدان القصب تتخطى 30 ألف جنيه، فى محصول يبقى عامًا كاملًا، ليجد المزارع سعر الشركة لشراء إنتاجيته لا يتجاوز 60 ألف جنيه، فى حين سعر التاجر الآخر 100 ألف جنيه وقد تزيد».

من جهته قال عمر صفوت، وكيل وزارة الزراعة بالمنيا، إن المحافظة زرعت 31 ألف فدان قصب فى الموسم الأخير، والإشكالية القائمة ليست أزمة زراعة، فليست كل الكميات المنتجة تعاقد أصحابها مع مصنع السكر، ولكن الأزمة الحقيقية هى أزمة توريد للمصنع، بعد أن اتجه المزارعون للتجار وأصحاب عصارات العسل الأسود، لتحقيق مكاسب تكاد تكون مضاعفة بالنسبة لهم.

وأوضح أن الفرق فى السعر ليس الميزة الوحيدة التى تدفع المزارعين للجوء إلى التجار، ولكن التاجر يقوم بأخذ الحصة من المزارع دون تكليفه أى مصاريف.

ومن جانبه قال إسلام سالم، خبير فى صناعة السكر، إن تراجع معدلات التوريد لمصنع «أبو قرقاص»، لا يعود لانخفاض مساحات زراعة قصب السكر وإنما جاء نتيجة لاختلاف استخدام، فالمزارع يتجه لتوريد القصب لمصانع العسل الأسود والعصارات، بدلا من توريدها لمصانع السكر.

وأوضح أن الأزمة ظهرت هذا العام نتيجة لاتجاه عصارات العسل الأسود إلى التصدير لتوفير الدولار وبالتالى يشترى القصب من المزارعين بأسعار ضعف السعر المحدد للتوريد، وذلك فى ظل اتجاه الجميع للبحث عن مصدر للدولار بالسعر الحقيقى له وليس سعر البنك، خاصة أنه لأول مرة يحدث فى مصر أن يصل سعر الدولار فى السوق الموازية لأعلى من السعر الرسمى بأكثر من 70%، ويستمر لهذه الفترة الطويلة.

وتوقع أن تصل الأزمة إلى باقى المصانع التى تعتمد على القصب فى إنتاج السكر وهو ما سيؤثر سلبا على حجم إنتاج مصر من السكر، مضيفا أن المساحة المنزرعة قصب تتراوح بين 300 و320 ألف فدان، بإنتاج يصل إلى 13 مليون طن قصب سنويا، جزء قليل منهم كان يذهب لمصانع العسل والعصائر وجزء آخر يعتبر تقاوى للزراعات الجديدة، لكن الغالبية كانت تورد لشركات السكر بحوالى 11 مليون طن، ومع الأزمة الحالية ستتآكل نسبة التوريد، وهو ما يعنى إنتاج سكر أقل.

وأشار إلى أن الخطورة الأزمة فى مصنع «أبو قرقاص» أنه ليس مصنعا لإنتاج السكر فقط، وإنما أيضا لإنتاج الكحول ومع تراجع التوريد لن يستطيع المصنع توفير المواد الخام اللازمة لإنتاج الكحول، بالتالى سيؤدى أيضا إلى تراجع إنتاج الكحول.

وأوضح أن حل الأزمة يتمثل فى زيادة سعر التوريد لجذب الفلاحين مرة أخرى، وإما العمل على زيادة الإنتاجية؛ حيث إنه يوفر دخلا إضافيا للفلاح يعوضه عن انخفاض سعر التوريد، وذلك يكون عن طريق تطوير نظم الرى للتنقيط تحت السطحى بدلا من الغمر، لاسيما أنه يرفع متوسط إنتاجية الفدان للضعف إلى 70 و80 طنا للفدان الواحد، بدلا من 40 طنا للفدان حاليا، ويقلل استخدام المياه بنسبة 40%.

ومن جانبه قال حسين أبوصدام، نقيب عام الفلاحين، إن مساحات زراعة محصول السكر لم تتراجع هذا العام خاصة أنه من المحاصيل المستديمة والتى تستمر فى الأرض حتى 5 سنوات، ولدينا حوالى 350 ألف فدان لم يحدث بها زيادة أو نقصان.

وأوضح أن المزارع يرى أنه هو من يدعم المواطنين، بسبب شراء الشركة القصب بسعر زهيد «من المفترض أن تأخذ الحكومة السكر من المصانع بالسعر الحر ثم تدعم هى المواطن»، مؤكدا على أنه يجب رفع سعر لتشجيع الفلاحين على التوريد للمصانع، والسعر العادل للطن يجب أن يصل لـ 2000 جنيه، مع ارتفاع تكلفة الزراعة الفدان.

وأشار إلى أن مصانع العسل تشترى فدان القصب من الفلاح بـ 100 ألف جنيه، وهو ما يجعل سعر الطن يتراوح سعر بين 2.5 و3 آلاف جنيه، وذلك مع ارتفاع سعر العسل الأسود مع ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية وكذلك العصائر، بالإضافة لاتجاه معاصر العسل الأسود إلى التصدير.

وأضاف أبو صدام، أن التوريد انخفض فى جميع المصانع والتى تعمل حاليا بأقل من طاقتها الإنتاجية، ولكن الأزمة ظهرت بشكل كبير فى المنيا نتيجة لأنها أقرب محافظات الصعيد للوجه البحرى وبالتالى التكلفة النقل منها أقل.

وتوقع أن يؤدى تراجع حجم التوريد لانخفاض إنتاج السكر من القصب بحوالى 50 ألف طن هذا العام، وهو ما سيؤدى إلى زيادة حجم الاستيراد من الخارج.

 

للمزيد : تابعنا موقع التعمير ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك التعمير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى