أعاد البنك الدولى نشر تقرير حول اقتصاديات المياه الجوفية خلال الحصاد السنوي للبنك على موقعه الرسمي، لافتا انه تُعد المياه الجوفية بالغة الأهمية للنشاط الاقتصادي والنمو والأمن الغذائي والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، فضلاً عن التكيف مع الآثار الناجمة عن تغير المناخ ، لكن استدامة هذا المورد الحيوي محاطة بالخطر في العديد من المناطق، ويرجع ذلك جزئياً إلى عدم تقديره على نحو ملائم كما أنه يعتبر من المُسَلمات.
وفي سياق الضغوط العالمية على منظومات الغذاء وإمدادات المياه، يتعين على واضعي السياسات العمل الآن لضمان التعامل مع المياه الجوفية على نحو مسؤول عبر مختلف القطاعات التي تعتمد على هذا المورد.
1 – المياه الجوفية هي أهمَ مواردنا من المياه العذبة – لاسيما في الأوقات التي يضرب فيها الجفاف ، ومع ما يشهده تغير المناخ من تطورات، يتعين على واضعي السياسات رفع مستوى الإدراك والوعي بأهمية هذا المورد الحيوي وحُسن إدارته. ويبحث تقرير جديد للبنك الدولي القيمةَ الاقتصادية للمياه الجوفية، وتكاليف سوء استخدامها، والفرص المتاحة للاستفادة منها بشكل أكثر فعالية.
2 – ويُبين التقرير الصادر تحت عنوان: “الثروة الخفية للأمم: اقتصاديات المياه الجوفية في أوقات تغير المناخ” كيف يمكن للمياه الجوفية أن تسهم في حماية الأمن الغذائي وتعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل. غير أن هذا المورد، وفي معظم الحالات، تعرض للتقييم بأقل من قيمته الحقيقية والإفراط في استغلاله، دون إيلاء الاعتبار الكافي فيما يتعلق باستدامته على الأجل الطويل، الأمر الذي يرجع في شقٍ منه إلى عدم توافر بحوث منهجية حول الأهمية الاقتصادية لهذا المورد.
ومن هذا المنطلق، يقدم التقرير الجديد بيانات وأدلة وشواهد جديدة على أنه بالإمكان تعظيم حصاد المياه الجوفية حالياً أو مستقبلاً، إذا وُضعت سياسات صحيحة وتم تطبيقها.
3 – تُعتبر المياه الجوفية هي آلية التأمين الخاصة بالطبيعة، حيث يمكنها درء ثلث الخسائر الناجمة عن موجات الجفاف في النمو الاقتصادي العالمي، مع ضمان عدم نفاد المياه في المدن في أثناء فترات الجفاف الممتد.
4 – يكتسي هذا المورد أهمية خاصة بالنسبة للقطاع الزراعي، حيث يمكنه خفض ما يصل إلى نصف الخسائر الناجمة عن تقلبات هطول الأمطار في إنتاجية هذا القطاع. وهذا يعني بدوره توفير الحماية من سوء التغذية. وفي تناقض صارخ، يؤدي نقص إمكانية الحصول على المياه الجوفية الضحلة إلى زيادة فرص الإصابة بالتقزم بين الأطفال دون سن الخامسة بنسبة قد تصل إلى 20%.
5 – يمكننا استخدام هذا المورد في السعي لتحقيق أهدافنا الإنمائية الجماعية. فعلى سبيل المثال، يمكن للمضخات التي تعمل بالطاقة الشمسية ويتوفر لها ضمانات وقائية كافية أن تزيد من الري باستخدام المياه الجوفية في أفريقيا جنوب الصحراء، وبالتالي الحد من الفقر وحماية المجتمعات المحلية من الصدمات المناخية.
6 – وعلى نطاق أوسع، ومع ازدياد آثار تغير المناخ، يمكن للمياه الجوفية أن تستمر في لعب دور بالغ الأهمية في الحفاظ على النظم الإيكولوجية الحساسة التي تحجز الكربون، وفي حماية المجتمعات المحلية المعرضة للخطر من الظواهر المناخية القاسية.
7 – لكن استنفاد منسوب المياه الجوفية وتدهور نوعيتها والمنافسة المتزايدة على هذا المورد يهدد استدامته. وهذا يعني أن المجتمعات يمكن أن تصبح أكثر عرضة للصدمات المناخية.
8 – نحو 92% من مكامن المياه الجوفية العابرة للحدود في منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا تُظهر مؤشرات على نضوب المياه الجوفية ، وفي جنوب آسيا، وفرت المياه الجوفية ميزة في الإيرادات الزراعية تتراوح بين 10% و20%، لكن هذه المنافع آخذة في التراجع مع نضوب الموارد.
9 – وعلى الطرف الآخر من المعادلة، لا يتم استخدام المياه الجوفية في أفريقيا جنوب الصحراء. ويعيش أكثر من 255 مليون شخص في المنطقة في فقرٍ في مناطق يمكن فيها التوسع في نطاق استخدام المياه الجوفية الضحلة. وعن طريق استخدام هذا المورد على نحو مسؤول – وتقديره على نحو ملائم – يمكن لهذه المنطقة تحسين غلاتها الزراعية والنهوض بالجوانب الإنمائية فيها.
10 – تتمثل إحدى الرسائل الرئيسية للتقرير في ضرورة قيام واضعي السياسات بإعطاء الأولوية للمياه الجوفية لضمان استخدامها بطريقة تعود بالنفع على المجتمع والاقتصاد والبيئة. ومن الضروري اتخاذ إجراءات سياسية رفيعة المستوى لمواءمة التكاليف الخاصة والاجتماعية لاستخدام المياه الجوفية.
11 – يؤثر الدعم الحكومي للزراعة – بنحو 635 مليار دولار سنوياً – على الخيارات الخاصة بالمحاصيل الزراعية والري، بما في ذلك مقدار استخدام المياه الجوفية. وهذا يعني ضرورةَ وضع سياسات زراعية وإصلاحات للدعم تراعي المياه الجوفية لتعزيز الإدارة المستدامة لهذا المورد الحيوي. ففي نيبال، على سبيل المثال، أدى الدعم للري باستخدام الطاقة الشمسية وتوسيع نطاقه إلى دفع المزارعين لتوسيع سبل كسب أرزاقهم في الإنتاج الزراعي لتشمل تربية الأحياء المائية.
12 – يؤدي انخفاض تكلفة الطاقة الشمسية والتحرك المتسارع نحو الطاقة النظيفة بشكل عام إلى إتاحة الفرصة أمام واضعي السياسات للنظر في إدارة المياه الجوفية في سياساتهم ومؤسساتهم واستثماراتهم الخضراء. ومع سهولة الحصول على تكنولوجيا الطاقة الشمسية بأسعار معقولة، يمكن أن نرى توسعاً في استخدام المياه الجوفية في الري وإمدادات المياه، مما يزيد من مخاطر الإفراط في استغلالها.
13 – من الضروري التوصل إلى فهم شامل للآثار المترابطة فيما بينها على أهداف الاستدامة والحد من الفقر من أجل تقييم المفاضلات وتوجيه السياسات. ومن بين الاعتبارات المهمة الأخرى التي يجب النظر فيها من جانب واضعي السياسات هي طبيعة مكامن المياه الجوفية التي تقع في أراضيهم، ومستوى استخدام هذه الموارد، والحاجة إلى الحفاظ على مستوى جودتها.
14 – حيثما تكون المياه الجوفية حالياً غير مستغلة – في أفريقيا جنوب الصحراء، على سبيل المثال – سيكون من المهم الارتقاء بمستوى المعرفة بهذه الموارد وتحديد أولويات تنمية مكامن المياه الجوفية الضحلة المحلية لدعم الري، وتحسين الأمن الغذائي، والتخفيف من حدة الصدمات المناخية.
15 – بالنسبة للبلدان التي تستخدم كميات معتدلة من المياه الجوفية – مثل كمبوديا ونيكاراغوا ومعظم بلدان أوروبا الشرقية – فينبغي تحسين مستوى إدراك قيمة هذه الموارد لضمان الحفاظ على جودتها واستدامتها، وحيثما يكون الاستغلال المفرط للمياه الجوفية – كما هو الحال في كثير من مناطق جنوب آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا – فمن الضروري اتخاذ إجراءات إضافية، بما في ذلك برامج تعزيز مصادر المياه غير التقليدية، وتخزين المياه السطحية، وتحسين إدارة الطلب عليها ، وفي كل حالة من هذه الحالات، فقد حان وقت إعطاء المياه الجوفية الاهتمام الذي تستحقه من جانب واضعي السياسات.
للمزيد : تابعنا موقع التعمير ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك التعمير