
في تطور جديد حول الحادثة المأساوية التي هزّت قرية دلجا التابعة لمركز ديرمواس بمحافظة المنيا، والتي راح ضحيتها 6 أطفال ووالدهم، كشف الدكتور محمد إسماعيل عبدالحفيظ، أستاذ علم السموم بكلية الطب في جامعة المنيا، النقاب عن تفاصيل السم القاتل الذي أدى إلى وفاتهم بشكل غامض أثار الذعر في الشارع المصري.
وأوضح الدكتور إسماعيل، الذي أشرف بنفسه على الحالتين المتبقيتين من الأسرة وهما الطفلتان “رحمة” و”فرحة” في مستشفى الصدر بالمنيا، أن سبب الوفاة هو مادة كلورفينابير Chlorfenapyr، وهو مبيد زراعي شديد السمية يُستخدم في مكافحة الآفات، لكنه يُعد من أخطر المواد على صحة الإنسان.
وأشار إلى أن هذه المادة تعمل على تعطيل إنتاج الطاقة داخل خلايا الجسم، مما يؤدي إلى فشل شامل في الأعضاء الحيوية وموت الأنسجة تدريجيًا. ولفت إلى أن الجرعة القاتلة من هذا المبيد لا تتجاوز نصف جرام فقط، وهي كافية لإنهاء حياة شخص بالغ، بينما لا يوجد ترياق مضاد لهذا النوع من السم، مما يجعل التعامل معه طبياً شبه مستحيل بمجرد ظهور الأعراض.
وأوضح أستاذ السموم أن الأعراض لا تظهر فورًا، بل قد تتأخر ساعات أو حتى أيام، وتبدأ باضطرابات فجائية في ضربات القلب، يليها توقف مفاجئ لعضلة القلب وتدهور حاد في الوظائف الحيوية، مما يفسر تدرج الوفاة بين الأطفال من الأصغر إلى الأكبر وفقًا لقوة المناعة وتحمل الجسم للسم.
وكشف أن الفريق الطبي توصل إلى نوع المادة السامة بعد مناقشات موسعة مع خبراء السموم في جامعتَي عين شمس والإسكندرية، حيث تمت مقارنة الأعراض النادرة بحالات مماثلة حدثت سابقًا، إحداها في محافظة البحيرة، ليتضح أن الأعراض متطابقة.
وأردف: “كان من الصعب اكتشاف نوع السم بالتحاليل التقليدية لأنه لا يظهر في اختبارات السموم الشائعة، وقد واجهنا تحديًا علميًا وطبيًا كبيرًا، خاصة أن المادة تُعد من المركبات السامة الحديثة”.
وأضاف الدكتور إسماعيل أن هذه المادة استخدمت سابقًا في واقعة شهيرة في باكستان، حيث تم وضعها داخل “تورتة” خلال مناسبة عائلية، وأسفرت عن وفاة 31 شخصًا في وقت قصير، مشيرًا إلى أن تلك الواقعة ظلت مرجعًا نادرًا في الدراسات السمية حول العالم.
وأوضح أنه أشرف على حالتي الطفلتين “رحمة” و”فرحة” واللتين بدتا في وضع مستقر لدى دخولهما المستشفى، ما أدى إلى التصريح بخروجهما، إلا أن حالة “رحمة” تدهورت بعد ساعات، مما دفع إلى تعميق التحقيق والبحث في نوع المادة السامة حتى تم كشف الحقيقة المؤلمة.
من جانبها، تواصل النيابة العامة تحقيقاتها الموسعة مع الزوجة الثانية ووالدة الأطفال والجد لفك طلاسم الواقعة، وتم تشكيل فريق فني بالتعاون مع وزارة الصحة لأخذ عينات من كافة محتويات المنزل من طعام، مياه، خبز، وطيور، مع فحص أي كاميرات مراقبة قد تكون وثّقت لحظات ما قبل المأساة.
وتبقى القضية مفتوحة على احتمالات عدة، في انتظار نتائج تحقيقات النيابة وتحاليل المعامل الجنائية التي قد تحدد كيف وصلت المادة القاتلة إلى أفراد الأسرة، وهل كانت هناك شبهة جنائية وراء الحادث أم حادث عرضي كارثي.