منوعات

د. صابر أبوحامد يكتب : هذا قرآننا ، وهذه لغته

“اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصلاة إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ”

بعد صلاةِ فجرِ اليوم وجدتني ـ وقد تهيأت للأذكار ـ أردد قوله ـ تعالى ـ : “وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ ” ، فخطر على بالي سؤالان :

أولهما : ذِكْر مَنْ أكبر مِن مَنْ ؟ ، و بمعنى آخر : أيهما أكبر : ذكر الله للإنسان ، أم ذكر الإنسان لله ؟
والآخر : هذا الذكر المراد في الآية أكبر من أي شيء ؟

وبحكم التخصص رأيت أن اللغة لها دور أساس في محاولة فهم كتاب الله ـ تعالى ـ فذهبت إليها ، فوجدت أن إجابة التساؤل الأول :

* “ذِكْر” مصدر مضاف ، والمصدر إما أن يضاف إلى فاعله ، أو إلى مفعوله .
فيقال : “حِفْظُ الإنسانِ لسانَه منجاةٌ” بإضافة المصدر (حِفْظ) إلى (الإنسان) ، وهو الفاعل ، و”لسانه” هو الذي يُحْفَظ ، فهو مفعول .
ويقال : “حِفْظُ النفْسِ من مقاصد الشريعة” فالمصدر (حِفْظ) مضاف إلى “النفس” ، وهي مفعول ؛ فهي التي تُحْفَظ ، والإنسان هو الذي يحفظ نفسه ؛ فهو الفاعل .

فيكون معنى (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) :
• ذكر الله إياكم عندما أمركم أو نهاكم أكبر من ذكركم إياه ، أو من الصلاة نفسها .
• أو ذكركم أنتم للهَ في الصلاة أكبر من كل شيء .
* أما إجابة السؤال الآخر فإن “أكبر” أفعل تفضيل ، لم يذكر معه المفضَّل عليه .
فيحتمل ـ والله أعلم ـ أن يكون المفضل عليه :
• “ذكر العبد لله”
أي ذكر الله للعبد أكبر من ذكر العبد لله

• “الصلاة” المذكورة في الآية .
أي : ذكر الله العبد في الصلاة أكبر من الصلاة ٠
• النهي عن الفحشاء والمنكر
أي : ما في الصلاة من ذكر الله أكبر من نهيها عن الفحشاء والمنكر .
• كل الأعمال التي يأتيها الإنسان .
أي : ولذكركم الله أفضل من كلّ شيء .
وهذا ما قاله أهل التفسير .

وبعد :
فما أحسن حديثك ربنا ! : جملة واحدة أغنت عن جمل !
ومثل هذه الآية الكثير ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : “وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي”
يحتمل أن تكون إضافة المصدر (ذِكْر) إلى (الياء) الراجعة إلى لفظ الجلالة :

= من إضافة المصدر إلى مفعوله ، فيكون المعنى : وأقم الصلاة لكي تذكرني أنت .
= أو من إضافة المصدر إلى فاعله ، فيكون المعنى : وأقم الصلاة لكي أذكرك أنا .

قال القرطبي :
“اختلف في تأويل قوله : “لِذِكْرِي” ، فقيل : يحتمل أن يريد لتذكرني فيها ، أو يريد لأذكرك بالمدح في عليين بها ، فالمصدر على هذا يحتمل الإضافة إلى الفاعل وإلى المفعول”
أما اللام في قوله ـ جل شأنه ـ : “لِذِكْرِي” فتحتمل عدة معان ، ليس هنا مجال ذكرها .
صدقت ربنا : “قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى